نبالغ كثيراً في إظهار الإعجاب بمن نقدرهم ونعجب بعبقريتهم كالكتاب والفنانين والعلماء، فنسطر عبارات الثناء لشخصهم، ونتخيل مثالية كبيرة في حياتهم في حين لا نبدي أي اهتمام يذكر بالناس الذين نعرفهم، الناس العاديون الذين بنظرنا لم يقدموا للعالم عبقرية تشد كل أنظار الناس، ونحن عندما نعجب بأحدهم فإننا نتخطى كل عيوبه الواضحة وغير الواضحة، ونصنع ديباجة في مدحه وثنائه، ونركز في جوانب حياته المشرقة التي تهمنا، وربما أضفنا عليها القليل من الملح؛ لأننا نعتقد حقاً صحة ما نراه ونقدره حتى وإن حصلت مبالغة فهذا لا يهم. فحتى المؤرخون الكبار يقع بعضهم بمثل هذا الخطأ، فيكتبون عما شاؤوا التفاصيل التي تهمهم سواء بالمدح أو الذم وهذا حسب أهوائهم! وليست هذه دعوة للبحث عن تفاصيل الآخرين ونبشها بل هي دعوة للعدل والمناصفة. فمهما بلغ الإنسان من عبقرية وعظمة يظل بشراً وتحكمه عيوب وطقوس بعيدة كل البعد عن المثالية المزعومة؛ فعلى سبيل المثال العالم "أينشتاين" كان لا يستحم إلا مرة كل ثلاثة أشهر، ويقول في ذلك: لا أحب أن أغير درجة الحرارة والملوحة في جسمي! عبقرية "أينشتاين" التي وصلت للعالم كانت تفتقد للرحمة، فقد كان في غاية القسوة، فقد ترك ابنه مريضاً في مستشفى الأمراض العقلية حتى مات دون أن يراه رغم الرسائل الكثيرة التي كتبها ابنه المريض يطلب منه الزيارة! نجح هو حقاً كعالم، وعلى قمة نجاحه "النظرية النسبية"، والتي وضحها في مثال بسيط، عندما تجلس إلى فتاة جميلة فالساعة تمر مثل الثانية، وعندما تجلس على سطح ملتهب فالثانية تمر مثل الساعة. لكنه لم ينجح كأب وكإنسان. وعبقري الموسيقى "بيتهوفن" كان في نيته أن يتزوج، ولكن النساء اللاتي عرفهن لم يطقن الحياة معه. ويكفي جداً أن يذهبن إلى بيته ليرين الحشرات تخرج من فراشه والزبالة والمخلفات في كل مكان، ثم إنه ليس عنده وقت لكي يستحم ولو مرة كل شهر؛ والحكمة تقول: لا تحكم على الشجرة من لحائها.