ليس كل الحروب تعني الغزو والهجوم والاحتلال وتُستخدم فيها أسلحة القتل والخراب والدمار كالطائرات والصواريخ والقنابل والدبابات، بل ثمة حروب سرّيّة تستخدم فيها أسلحة خفية مثل قطع العلاقات والمقاطعة الاقتصادية وتجميد الأرصدة والأموال والمدخرات والإحجام عن إرسال المؤن والبضائع والسلع وقطع الغيار بالإضافة لأخطرها قاطبة وهو تهريب وتسريب المخدرات. ومن بين هذه الأنواع من الحروب وأسلحتها الخفية المتعددة سنختار في هذا المقال نوعين منها وهو الكهرباء والمخدرات، فمثلا الكهرباء سلاح ماضٍ ما فتئت إسرائيل تستخدمه ضد الفلسطينيين كلما عنَّ لها ذلك في كل وقت وآن، والكهرباء لا تقل شأنًا وتأثيرًا وفتكا عن تلك الأسلحة التقليدية إذ طالما عانى الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلتين من نقص الكهرباء أو التهديد بقطعها وحرمانهم منها سواءً كان ذلك في فترات التهدئة والهدوء التي تسود بينهم وبين إسرائيل أحياناً أم أثناء فترات الغارات والقصف الإسرائيلي لمحافظاتهم ومدنهم ومرافقهم ومنشآتهم السكنية والحيوية. وتعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة من أكثر أماكن العالم ازدحامًا واختناقًا على الإطلاق بسبب انتشار البؤر الاستيطانية في الضفة وضيق مساحة القطاع، ويؤدي انقطاع الخدمات الكهربائية إلى تعطل الأعمال وشلل الأنشطة في تلك المناطق الفلسطينية ما يؤثر على مناحي الحياة فيها من حيث اتصالها بالعالم الخارجي والشلل في مرافقها التعليمية والطبية إلى جانب الخسائر المادية لأصحاب المصالح والمحال التجارية وتلف المواد الغذائية التي يلزم تخزينها في ثلاجات وأماكن تبريد يستلزم إمدادها بالطاقة الكهربائية على الدوام. ومما يفاقم ويزيد في استفحال أزمات الكهرباء في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة هو أن الشبكة الكهربائية التي تغذيهما مربوطة مع شبكة الكهرباء الإسرائيلية، كما أن إمدادات الغاز الطبيعي وهو الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد يأتي أيضًا من إسرائيل، وقد يزيد سعره عن سعر الوقود العادي بنسبه ثلاثة أضعاف بسبب الضرائب المفروضة عليه، كما أنه نتيجة للحصار المضروب على قطاع غزة وعدم سماح إسرائيل بدخول كميات كافية من الوقود تنشئ أزمات حادة تتمثل في انقطاع التيار الكهربائي بين حين وآخر قد يصل إلى 16 ساعة يوميًّا أو أكثر مما يُعرِّض حياة الكثير من المرضى في المستشفيات للخطر ومن بينهم الأطفال الخُدَّج ومرضى الغسيل الكلوي والمرضى في غرف الإنعاش، كذلك توقُّف محطات معالجة مياه المجاري والصرف الصحي ما يسبب انتشار الأمراض والكوارث البيئية، وعدم التمكن من توفير مياه الشرب للمناطق الفلسطينية. وما يزيد الوضع سوءًا وتفاقمًا تخلف بعض المشتركين في دفع الفواتير المستحقة عليهم في أوقاتها المحددة نظرًا لقلة ذات اليد نتيجة للأزمات المالية ونقص الموارد التي يمر بها الفلسطينيون ويعيشون فيها ويعانون منها في ظل الاحتلال الخانق والمستديم. لذا فإن إسرائيل في جميع ما قامت به من اعتداءات وغارات ومداهمات على الشعب الفلسطيني لا تتوانى أيضاً في استخدام سلاح «الكهرباء» كعامل موجع وإجراء قمعي وعقاب جماعي لإلحاق أكبر حجم ممكن من التلف والأضرار والمعاناة بالشعب الفلسطيني وبمرافقه الحيوية وبناه الاقتصادية ومؤسساته الخدماتية وبخاصة عند نشوب نزاع أو القيام بأي عملية فدائية ضدها أو توجه سلطتهم لمحكمة الجنايات الدولية. وبالنسبة للمخدرات فهي بلا شك وباء وخيم وخطر جسيم وبلاء عظيم ابتليت به بلاد العالم قاطبة دون استثناء، ومن يتعاطى تجارتها والترويج لها سوى أناس ماتت ضمائرهم وتلاشت مشاعرهم ولم يبق فيها غير الجشع والنهم والغل والحقد غير عابئين ولا مكترثين بما تجره سمومها من سوءات ومخاطر وما تجلبه من مآسٍ وكوارث وما تسببه من أمراض نفسية وجسدية وما ينجم عنها من تداعيات أسرية ومجتمعية وصحية واقتصادية وأمنية. ومملكتنا الحبيبة ليست استثناء من تلك الدول الأخرى فهي ليست مستهدفة من الباحثين عن الثراء والأموال غير المشروعة فحسب بل من لدن أولئك المغرضين الكائدين الذين يضمرون لها الحقد والكره والضغينة والحسد لما أفاء الله به عليها من خيرات ظاهرة وباطنة وما أسبغ عليها من نعم الأمن والسلام وما ينعم به شعبها من رغد وهناء. لذا فنحن نشاهد ونتابع ما تقوم به وزارة الداخلية من خطط دؤوبة وجهود حثيثة جديرة بالذكر والإشادة لمكافحة المخدرات بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف ممثلة بالمديرية العامة لمكافحة المخدرات والمديرية العامة لحرس الحدود البواسل حيث تتبنى خططًا مدروسة ومحْكمة للتصدي وإحباط أيِّ محاولات تهدف إلى تهريب المخدرات من خارج المملكة أو ترويجها داخلها. نسأل الله جل وعلا أن يحمي بلادنا وشعبها وكل من يقيم على أرضها الطاهرة من كل بلاء وسوء ومكروه وأن يبارك في جهود العاملين المخلصين لحماية شبابنا وأمل بلادنا من غوائل المخدرات وكوارثها. وأخيرًا، لعل محتوى هذا المقال أبان نوعين من الحروب السِّرِّية ذات الأسلحة الخفيَّة والتي لا تقل في حقيقة الأمر عن الحروب المعلنة ذات الأسلحة التقليدية وإن اختلفا في الاسم ونوع السلاح فلن يختلفا في التدمير والهلاك.