مرت 20 ساعة متواصلة على مدينة غزة وأجزاء أخرى في قطاع غزة يقطنها ثلث الغزيين البالغ عددهم 1.5 مليون فلسطيني، قبل ان يصل التيار الكهربائي الى منازل المواطنين الذين اكتشفوا ان المياه مقطوعة عن منازلهم، في وقت أعلنت مصلحة المياه ان تدفق المياه الى منازل المواطنين سيتوقف كلياً اليوم الثلثاء في حال عدم التزود بالوقود اللازم لتشغيل المضخات. وبات أكثر من مليون فلسطيني ليل الأحد - الاثنين في ظلام دامس لم تقشعه سوى شموع صغيرة او فوانيس تعمل بواسطة الكيروسين، فيما توقف العمل في قسم الأطفال الخدج والرضع من المواليد بسبب نفاد الوقود في وقت أعلنت وزارة الصحة في الحكومة المقالة حال الطوارئ. وأغلق امس مزيد من المخابز ومحطات الوقود أبوابه أمام المواطنين الذين بحثوا طويلاً عما تبقى من محطات لديها مخزون من الوقود او مخابز لديها وقود لتشغيل أفرانها لتخبز ما تبقى من دقيق، في ظل نقص حاد في الدقيق والقمح والأغذية الاساسية والأدوية التي نفد عشرات الأنواع منها من صيدليات القطاع. وعانت اكثر من منطقة في القطاع ليل الأحد - الاثنين من الظلام بسبب توقف التوربينيْن العامليْن في محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع عند السابعة والنصف مساءً بسبب نفاد الوقود لدى المحطة، بعدما أوقفت اسرائيل تزويد القطاع به، ومستشفيات أخرى منه منذ الجمعة الماضية. وبات القطاع الذي يحتاج الى نحو 240 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، يعتمد على نحو 120 ميغاوات يتم تزويد القطاع بها من شركة الكهرباء الاسرائيلية في مقابل مبالغ طائلة يتم حسمها من الضرائب والجمارك التي تجبيها سلطات الاحتلال من أثمان البضائع التي تستوردها الاراضي الفلسطينية من اسرائيل او الخارج، مضافاً إليها 17 ميغاوات يتم تزويد مدينة رفح الحدودية في جنوب القطاع بها من مصر. وفي ظل هذا الواقع المرير، عمدت شركة توزيع الكهرباء في القطاع الى قطاع التيار الكهربائي عن مناطق وإيصالها الى مناطق أخرى وفق جدول وضعته الشركة، ما يتيح تزويد كل منطقة بالتيار لنحو أربع ساعات يومياً. وبسبب نفاد مشتقات الوقود البنزين والسولار والكيروسين والغاز الطبيعي من القطاع، فإن قطاعات كثيرة ستتأثر سلباً في شكل جدي، من بينها الصحة والصرف الصحي والمياه والمصانع والشركات وغيرها من المرافق الحيوية اللازمة لاستمرار حياة الفلسطينيين الذين بدأوا في العودة الى استخدام وسائل وبدائل بدائية جداً. وأعلنت وزارة الصحة حال الطوارئ تحسباً لأي طارئ في ظل توقف غرف العمليات في المستشفيات الثلاثة الرئيسة في القطاع عن إجراء عمليات جراحية صغيرة او كبيرة باستثناء العاجل منها فقط، في ظل نقص حاد في الأدوية والمهمات الطبية والأجهزة الطبية المعطلة. وانعكس انقطاع التيار ونفاد الوقود على الوضع الصحي في صورة تراجيدية، اذ لم يجد كثير من المواطنين المرضى الذين يتلقون علاجاً او اجهزة طبية كهربائية في منازلهم بسبب عدم توفر الأسرّة الكافية في مستشفيات القطاع، بداً من الاستعاضة عنها بتشغيلها يدوياً. وهذا ما حصل مع طفل في مخيم جباليا يتنفس من رقبته عبر جهاز يعمل بالكهرباء، اذ استعاض ذوو الطفل بتشغيل الجهاز بالضغط على قطعة تشبه تلك التي كان يستخدمها في سابق الزمن مرضى الربو والأزمة، من خلال الضغط عليها لضخ الأكسجين. وتناوب أفراد أسرة الطفل على هذه المهمة ساعات طويلة بسبب انقطاع التيار. أما في مجال مياه الشرب والمياه المستخدمة في المنازل، فإن مصلحة المياه أعلنت ان المياه لن تصل الى منازل المواطنين في حال استمر عدم وجود وقود لتشغيل المضخات اللازمة لضخ المياه من الآبار الارتوازية في الأنابيب الرئيسة، وتلك الواصلة الى منازل المواطنين. ليس هذا وحسب، بل ان المواطنين اكتشفوا انه في حال وصول المياه الى منازلهم، فليس باستطاعتهم ضخها الى خزانات فوق أسطح المنازل، سواء المنخفضة منها او العالية، نظراً الى ان المضخات المنزلية تعمل على الكهرباء، في حين ان تلك مقطوعة. وتبدو الصورة أكثر كارثية عندما تتوقف محطات ضخ مياه الصرف الصحي عن العمل او عن تكرير هذه المياه كما يحصل في بعض مناطق القطاع. ويتوقع في هذه الحال ان تطفح شبكات المجاري في الشوارع بمياه الصرف الصحي، ما يهدد بكارثة صحية خطيرة. وستضاف الى ذلك كارثة صحية أخرى ممثلة في تكدس أكوام من القمامة في الشوارع عندما تتوقف الشاحنات العاملة عن جمع النفايات الصلبة عن العمل بسبب نفاد السولار. وفي المنازل، تلف كثير من المواد الغذائية التي يتطلب وجودها في برادات ثلاجات، فضلاً عن عدم وجود كيروسين لإضاءة"لامبة كاز"او السراج، او الشموع التي نفدت من المحال التجارية. وشعر المواطنون بالبرد الشديد ليل الأحد - الاثنين نظراً الى انقطاع التيار وعدم عمل اجهزة التدفئة، كما ان النقص الحاد في الغاز الطبيعي حال دون تشغيل اجهزة تدفئة تعمل بالغاز. في هذه الأثناء، لاحظ المواطنون تراجعاً واضحاً في عدد سيارات"سرفيس"او الاجرة العاملة على الخطوط بين محافظات القطاع الخمس او حتى داخل المحافظة الواحدة، في وقت أغلق معظم محطات الوقود أبوابه. أما بالنسبة الى الخبز، فأغلق معظم المخابز أبوابه، إما بسبب نفاد الدقيق او عدم وجود التيار الكهربائي او وقود تشغيل مولدات يمتلكها، فيما اصطفت طوابير طويلة جداً أمام عدد قليل من المخابز العاملة في القطاع، وانتظر المواطنون ساعات طويلة للحصول على الخبز. وبدا القطاع امس كمنطقة تستعد للحرب، اذ سادت أجواء من القلق والترقب رافقها شعور بالصدمة والحزن من الموقف الرسمي العربي والعالمي إزاء جرائم الحرب التي ترتكبها اسرائيل في حق الفلسطينيين. لكن شعوراً آخر انتاب الفلسطينيين في القطاع تمثل في رفض الاستسلام والخضوع، وبات المواطنون يتحدثون عن ضرورة رد فصائل المقاومة على هذه الجرائم الاسرائيلية بإطلاق مزيد من الصواريخ على بلدة"سديروت"ومدينة المجدل عسقلان اشكلون، خصوصاً ضرب محطة توليد الطاقة في المدينة، حتى تعيش في ظلام كما يعيشون.