تسابق المملكة الزمن نحو مستقبل مشرق، وتعلو بسقف طموحاتها إلى عنان السماء، وترسم أهدافها بعناية ودقة، سعياً لتحقيق أعلى مراتب التقدم المطلوب، تحت مظلة رؤية 2030 التي بدت وكأنها خارطة طريق متكاملة الأركان والخطط، هدفها الأول إعادة بناء المملكة الثالثة على مرتكزات قوية وراسخة، تؤكد بها أن السعودية قادمة إلى صدارة المشهد الدولي في كل القطاعات والمجالات. مشروعات سمو ولي العهد في الرؤية، بمثابة مسلسل طويل لا ينتهي، تحمل حلقاته المتتابعة مشاريع نوعية، ليس على مستوى المملكة أو المنطقة فحسب، وإنما على مستوى العالم، ولعل آخر تلك المحطات إعلان سموه إنشاء مدينة نيوم الصناعية أوكساچون بكل ما تحمله من أهداف ورؤى وتطلعات تتجاوز حدود الواقع الذي نعيشه، وتستشرف المستقبل بكل أحلامه. ما يلفت الأنظار حقاً إلى المدينة الجديدة، أنها تتجاوز بأهدافها وتطلعاتها حاجز النهوض بالصناعة السعودية، وزيادة الإنتاج الصناعي بما يكفي الحاجة المحلية، وتصدير الفائض إلى الخارج، وإنما تسعى إلى أن تكون بداية فعلية لإحداث تحول جذري للقطاع الصناعي على كوكب الأرض، عبر إرساء أنظمة حديثة، وتحديد أهداف عليا، تثمر على ارتقاء المجتمع السعودي صناعياً وتدريباً وإنسانياً، عبر تأسيس مراكز تصنيع دولية داخل المدينة، فضلاً عن إنشاء سلسلة المصانع المعززة بأحدث التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وهو ما يضمن تحقيق قفزة نوعية لهذه الحقبة من الثورة الصناعية الرابعة، في إشارة واضحة وجلية على أن أهداف هذه المدينة تسير في مسارين؛ أحدهما سد أي فجوة أدت إلى تأخر الصناعة السعودية عن ركب التقدم والازدهار، والثاني الاستعانة بكل ما هو حديث وجديد ظهر في العالم، لنكون على المسافة نفسها التي وصلتها الدول المتقدمة في هذا القطاع، ونكمل معاً مشوار التطوير والتحديث. ولا أعتقد أن مدينة نيوم الصناعية أوكساچون بعيدة عن بقية مشاريع الرؤية التي أعلنها ولي العهد في فترات سابقة، مثل ذا لاين أو المدينة غير الربحية، فهي تتكامل فيما بينها، وتتشابك في أهدافها وتطلعاتها وبرامجها، وكأنها مربعات "بازل" تلتحم ببعضها البعض، مُكملة المشهد بالكامل، الذي تتحول فيه المملكة إلى نموذج مضيء يتوسط منطقة الشرق الأوسط، للوصول إلى قمة الازدهار الذي تنشده المملكة لنفسها وشعبها. أكون صادقاً مع نفسي إذا أكدت سعادتي بهذا المشروع، الذي شعرت معه بشمولية الرؤية، وحرصها على استيعاب كل الأنشطة والقطاعات في المملكة بلا استثناء، ودعمها بما تحتاج إليه من برامج تحديث، وخطط تطوير، وليس هناك أفضل من قطاع الصناعة لكي نرتقي به، ونمنحه من الاهتمام ما يستحقه، خاصة إذا عرفنا أن هذا القطاع وحده قادر على أن يوفر 20 في المئة على الأقل من إجمالي الدخل القومي في أي بلد متطور، وهو ما حققته دول العالم الأول المشهورة بالصناعات، مثل أمريكا وإيطاليا وألمانيا، وأعتقد أن إمكانات المملكة الصناعية لا تقل عن إمكانات هذه الدول، وهو ما آمنت به رؤية 2030، ومهندسها الأمير محمد بن سلمان. ويبقى الجميل في المدينة الوليدة، أنها تراعي احتياجات المستقبل، وتحرص على مواكبة أي مستجدات عالمية، لتكون متطورة بطبيعتها، وتجسد ذلك في حرصها على حماية البيئة التي تتواجد فيها، من خلال اتباع أعلى معايير السلامة المناخية، والاعتماد على الطاقة النظيفة بنسبة 100 %، هذا المشهد يؤكد أن القائم على التخطيط، ملم بتفاصيل المشهدين المحلي والعالمي، وحريص على مواكبة كل جديد وحديث والتماشي معه لحظة بلحظة.