استكمالا للحديث حول أهمية التوسع بقبول أعداد كبيرة من الشباب بالتدريب التقني والمهني، حيث أوضحت بمقالين قبل أيام أن التوجه للتوسع بالقبول بكليات ومعاهد المؤسسة لا بد أن يكون اتجاهًا رئيسًا لتوزيع الطلاب سواء بعد المرحلة الثانوية أو المتوسطة بنسب تقارب ما هو في أفضل الدول أو المناطق الجغرافية التي تتشكل فيها اتحادات بين دولها وتعد منظومات اقتصادية قيادية عالميًا حيث تصل نسب المتجهين للمجال التقني والمهني إلى ما يفوق 35 في المائة مما له انعكاس كبير جدًا على النشاط الاقتصادي فيها بمجالات الصناعة والتشغيل لمرافقها الحيوية والخدمات العامة لمجتمعاتها ففي المملكة التي تعد أكبر اقتصاد عربي ومن ضمن مجموعة العشرين الأكبر اقتصاديًا بالعالم نجد أن نسبة المهنيين المواطنين منخفضة جدًا ويدل على ذلك أن نسبة العمالة الوافدة تشكل 85 في المائة من حجم سوق العمل وبعدد يتجاوز ثمانية ملايين وافد وبما أن عقود التشغيل الصيانة للقطاعات الحكومية بنسبة عظمى تشكل قطاعًا ضخمًا بالاقتصاد يوفر أكثر من مليون فرصة عمل حاليًا والتوقعات تشير لتضاعف هذا العدد مستقبلاً مع استكمال بناء المشروعات التي تنفذ أو اعتمدت لقطاعات عديدة كالتعليم والصحة وغيرهما وحيث إن هناك بعض الجهات الحكومية لديها موظفون مهنيون وافدون فإن الاتجاه لتوطين هذه المهن يمثل إستراتيجية ضرورة إِذ لا يمكن القبول بتصور أن تبقى أعمال تشغيل المرافق العامة بيد الوافدين بنسبة كبيرة بخلاف أنها كإستراتيجية ستساعد على استيعاب أعداد كبيرة من القادمين لسوق العمل والمقدرين بنحو 300 ألف سنويًا وحتى يتم توجيههم لأعمال مهنية لا بد من زيادة القبول من خلال دعم كبير للتوسع بزيادة المعاهد والكليات التقنية والمهنية فميزانية المؤسسة تعادل نصف ميزانية بعض الجامعات الكبرى التي تخدم منطقة واحدة بينما المؤسسة تعمل في كل المناطق. ومن خلال النظر إلى تجربة شراكات بين المؤسسة وشركات القطاع الخاص أو شبه الحكومية القائمة على التدريب المبتدئ بالتوظيف وقد سنحت لي الفرصة أن أزور معهد الصناعات البلاستيكية التابع للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بدعوة كريمة منهم والتقيت بالطلاب وهم بالحقيقة موظفون قاموا بتوقيع عقود عمل وحاليًا تحت التدريب ويلاحظ أن خطة تدريبهم عالية المستوى من حيث التأهيل للتعامل مع المعدات والأجهزة التي سيشغلونها عند التحاقهم بشركاتهم وكذلك برنامج تطوير مهاراتهم باللغة الإنجليزية مما يدلل على أن المجال المهني والتقني يلقى القبول من الشباب في حال ضمن فرصة عمل مباشرة مما يكشف لنا سبب العزوف سابقًا عن التوجه بكثافة للتدريب المهني والتقني والاعتقاد بأن التخصصات بالجامعات أفضل كشهادة ومسمى وأكثر حظًا بالتوظيف إلا أن أعداد العاطلين والعاطلات من الجامعيين الكبيرة تكشف أن الجامعات ليست الخيار الأمثل بسرعة التوظيف. وحتى نستطيع التحول لرفع شريحة المختصين بمجال التقنية والمهن فإن الاتجاه نحو الزامية توظيف خريجي معاهد وكليات المؤسسة بالقطاعات الحكومية سواء مباشرة أو عبر عقود التشغيل والصيانة التي تنفق عليها الحكومة سيعد نقلة مهمة وكبيرة تحقق ارتفاعًا بالإقبال على هذه التخصصات وتقلص من العمالة الوافدة تدريجيًا وتوطن هذه المهن وتدعم الاقتصاد بجوانب عديدة من بينها تقليص حجم الحوالات للخارج التي تخطت 130 مليار ريال سنويًا كمتوسط. وللاتجاه لهذه الخطوة فإن الدور الأكبر يقع على عاتق وزارة الخدمة المدنية لتولي ملف التوظيف من خلال برنامج خاص لمسار تعيين الخريجين يستند على قرار واضح يعمم لكل الجهات التي يمكن أن تستوعبهم وهي عديدة مع إعادة النظر بتصنيف المسميات للشهادات لتكون ذات مستوى يتناسب مع حقيقة ما يتعلمونه «كمساعد مهندس تقني أو فني» بالإضافة إلى وضع كادر للرواتب والمزايا يكون محفزًا لإقبال الشباب على هذه المهن ويكون استرشاديًا للشركات التي تقوم بأعمال تقنية ومهنية لا ترتبط بعقود حكومية حتى يكون هناك منافسة على الخريجين كما يفترض أن توجه وزارة العمل طاقاتها نحو دعم الخريجين من خلال تغيير بسياسات صندوق الموارد البشرية بحيث يوجه جل دعمه الحالي لهم وتعطى مزايا مختلفة من حيث الدعم بالراتب والمدة وغير ذلك بدلاً من أن يكون تعميم الدعم على مجالات لا تحمل ميزة الاستمرارية بالعمل كوظائف البائعين بالمحلات. توطين المهن قضية محورية ومهمة بالتخصصات التقنية والفنية ولها إيجابيات ضخمة ستظهر مستقبلاً خصوصًا إذا نظرنا للأهداف العامة والخطط الإستراتيجية التي تتوجه لرفع نسبة دور الصناعة وبعض الخدمات بالناتج المحلي التي لا بد أن يكون عمادها الكوادر البشرية المؤهلة فنيًا وتقنيًا بالمقام الأول ولذلك فإن التوجه لتحقيق ذلك لا بد أن ينطلق من تكامل بمنظومة القبول والمنشآت التدريبية والربط مع باقي الجهات بالتوظيف الالزامي والمزايا المحفزة التي ستشكل تحولاً مفصليًا بالاقتصاد الوطني ينعكس بإيجابية على كافة قطاعاته.