الشاعر الراحل سليمان بن عبدالله بن حاذور (1337-1406ه) من شعراء الرعيل الأول، وأحد شعراء نجد المشهورين، صنع قصائد: الأغنية الشعبية، العرضات، الحماس.. تتميز أشعاره برقة الأحاسيس، والمشاعر الجيّاشة، من دون تكلف ولا تصنع، في شِعره نجد قوة الحبك والسبك وترابط القصيدة بالمفردات التي تُجبر المتلقي على التأمل، والتوقف عند كل حرف من حروف تلك الروائع الشِّعرية. أنا البارح على الذكرى لي سرى البرّاق وعيوني تخيله أنا في نجد لا يا عز غالي عليّ بنجد يالحلوة الجميله صبا نجدٍ لا هب الشمالي سقاه من الحيا وادي مسيله كفالوعات قلبي واشتغالي حماك الله يا نجد الاصيله كما تميز الحاذور.. بالوصف البديع في أشعاره، وجمال القوافي التي تطرب الآخرين، وتتناغم مع الطرب الأصيل الذي يحرّك المشاعر، ويُلهب الكفوف، ويصدح صداها في جميع الأرجاء بأعذب العبارات، وأجمل الكلمات.. لذا لا غرابة أن يتغنّى بأشعاره كبار الفنانين قال عنه الأديب عبدالله بن خميس: «هكذا عرفناه، وعرفناه بقامته المديدة وجسمه الممشوق وسمرته المقبلة بن صفوف الرجال وفي أهازيج الفرحة بسيفه وفرده وخنجره وأردانه الطويل وزبونه المنقوش المكلل بالحرير.. عرفناه بهزج بالشِّعر ويرسله حربياً قوياً نابضاً من إنشاده ومن إنشائه يجعل العرضة عامرة تحرّك أحاسيس الرجال وتهز مشاعرهم وتجعلهم في جو من الأنس وفي بهجة من الحبور تتكسر قاماتهم على ملاعبة السيوف وتترنح أعطافهم على نغمات الطبول ويتجاوبون به عذب الإنشاد صادق الرواية حلو الديباجة نعم عهدناه كذلك كغصن لدن يميل مع فنه ويستعطف مع هواه.. نجم من نجوم ذلك المجتمع لامع ساطع.. وعرفناه كذلك وجه من وجوه ذلك الجيل في رجولته ونبله وكرمه وحذقه ووجاهته». ومن أوراقه الشهيرة هذه القصيدة التي هي بعنوان: «بيت المحبين» والتي اشتهرت بشكل كبير لجمال المعاني، وحسن الوصف، والبوح الصادق: مريت بيتٍ للمحبين مقفول جابتني القدرة على حد بابه ونشدت جيرانه عسى البيت منزول قالوا حبيبك راح لا واسفا به وله مدةٍ بالسوق ماشيف له زول وبابه عليه من السوافي ترابه وهلّت دموع العين والقلب مشغول وعند الفراق اللي حصل في غيابه وأقفيت واللي بين الاضلاع مجهول حبٍّ درسته غيب ماهو كتابه أهلاً هلا بك ناعس الطرف مكحول مادمت انا حي لحبل الرجا به يا الله تجمع بين سائل.. ومسؤول ومرسوم يحاكم كل شخصٍ يهابه ومن أروع قصائد ابن حاذور قصيدته «فكرت والمكتوب» التي صاغها على لون فن «السامري» الذي يعتبر أحد رموزه، وكان فن السامري يُعد اللون المُحبب فقد كان يحيي مجالس السهر الطربي قديماً خاصة في المناسبات مثل الأفراح وغيرها، وكانت هذه القصيدة من أجمل روائع التراث النجدي، وقد شدا بها الفنان فهد بن سعيد -رحمه الله- ومنها: فكرت والمكتوب ما فيه حيله ليت الليالي علّمتني بالأقدار عوّدت نفسي للعلوم الجميله وأنا على جور المحبين صبّار حالي قضت ما باقي إلا قليله وأنا أترجّى منك يا زين الأخبار يا ليت مرسولك يجي كل ليله وأقول خبرني عن الزين وش صار وله من الغزل هذه القصيدة المليئة بالمشاعر المؤثرة التي تختلج بين الأضلاع، فقد استطاع الشاعر أن يترجمها من خلال سعة خياله بأعذب الأحاسيس وأجمل القوافي: عيّت الدمعه توقف يا فهد والعيون الساهره عيّت تنام كل ما قلت آه قالو بعد أنت مجروح وجرحك من غرام دواك دمع العين فضّاح وشهد عذبوك أحباب عينك يا حرام مخفياً جرحك وقبلك من جحد لو تروح الروح ما تفضح كلام والله اللي لك على البلوى جلد من غزال الريم دقاق الوشام ليا اعترض لك ثم قفا وابتعد والعصر بالروض من بين الخيام يفتخر بالزين ليمنه قعد ليا جلس غنّى على صوته حمام كامل الأوصاف واصغير النهد هو قمر خمسة عشر بدر الظلام وابن حاذور يميل في أشعاره إلى ذكر الطبيعة وجمالها، فعندما كان على السرير الأبيض هاضت قريحته الشِّعرية بقصيدة مؤثرة جداً وفي نفس الوقت تدل على إيمانه العميق بالمولى -عزوجل- وبالقضاء والقدر، وفي آخر القصيدة توجد على حسن الطبيعة التي تشرح الخاطر وتسر الناظرين، وكذلك على مجالس ربعه فأنشد: يا علي ونّة المجروح فوق السرير تكسر الخاطر الونّة لمن سمعها يا علي ما عن المكتوب والله مطير كل ليلي ونهار محوّلٍ دمعها الله الله على خلقه سميعٍ بصير رحمة الله على المخلوق يا وسعها صابني بالقدر ودواي والله عسير الفرج من كريم الفضل يا سرعها حتى قال: لا حصل جلسة الربع فوق الغدير روضةٍ تشرح الخاطر على طلعها الهنا ليحصل جمعا وزين تعبير ولّعت لك قلوب الودّ من شمعها وقد صدر لشاعرنا الفذّ سلميان بن حاذور ديوان مطبوع بعنوان: «روضة من زهور».. وفي آخر حياته فقد بصره، ومع ذلك لم يتوقف من نظم الشِّعر الذي لا يزال يعيش معنا، ونسعد بترديده في حياتنا اليومية، فقد تمازجت مفرداته النابعة من أعماق قلبه مع جمال الأصالة، وروعة العبارة. عبدالله بن خميس سليمان بن حاذور لون السامري غلاف ديوانه إعداد - بكر هذال