بين حياكة نسجتها الخيوط وتداخلت فيها الألوان والزخارف، يروي لنا معرض «تفاصيل» الذي كان جزءًا من فعاليات مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) ، حكايات التنوع التراثي والأزياء في مختلف مناطق المملكة، حيث كانت تلك التفاصيل والأزياء نافذة بين الأصالة التاريخية والمعاصرة الحضارية التي أقامها المجتمعات وتنوعت بأسلوبها الفنّي الفريد. ومع تنوع ثقافات المملكة إلا أنه لوحظ أن سكّانها يتشابهون في الأزياء الشعبية من حيث اتساع الأزياء التي تجمع بين الزخارف والألوان، إذ ما زالت تلك الأزياء ترتدى في المناسبات الاحتفالية ذات الطابع التراثي مثل أمسيات رمضان والأعياد والقرقيعان التي تعد احتفالات اجتماعية يحتفي بها معظم سكان منطقة الخليج العربي، بالإضافة إلى أعراسهم التي يغلب عليها الطابع التراثي التقليدي فنجد العروس في ليلة الحناء ترتدي الثوب التقليدي المطرز بالزخارف والألوان. وتتنوع الأزياء التقليدية في المعرض لتأخذنا في لمحة سريعة عبر مناطق المملكة من حيث المسمّيات والألوان، فنجد قبائل الحجاز في المنطقة الغربية تمتاز أزياؤهم بوجود اللون الأحمر والأسود والأصفر، كما تطرّز بكثافة بخيوط الحرير الملونة وتجمع مسمّياتها بين الثوب «المرفوع» والثوب «النفيعي» والثوب «المبقّر». أما المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية فقد أبهرتنا بأزيائها التي تميّزت بألوانها الساطعة ومسمّياتها المميزة مثل الثوب «المتفّت» وثوب «التور» وثوب «النقدة أو التلّي» بالإضافة إلى ثوب «النشل أو المسرح» ومن ألوانه اللون الأخضر والأحمر والأزرق والبنفسجي والزهري والأسود، وتنوعت أقمشتها من القطن والحرير والتل، وزُخرفت بالترتر وغُرز التطريز المختلفة بخيوط الحرير، بالإضافة إلى حياكة الزي بخيوط الذهب والفضة التي تعرف باسم خيوط الزري. وبحكم الموقع الجغرافي للمنطقة الجنوبية، وتميّز مناخها بالبرودة فقد اشتهرت بثيابها التي تصنع من المخمل الأسود، وتطرّز بخيوط الحرير المشعّة والتي يغلب عليها اللون الأحمر والأصفر وخيوط القصب الفضية أو الذهبية، كما اشتهرت بالزخارف والأكمام الطويلة الضيقة، وتميّزت مسمّياتها بين الثوب «المكلف أو المحبوك». أما المنطقة الشمالية فقد تأثرت أزياؤها بالبلدان المجاورة ومن أهمها الزي العلوي المعروف «بالزبون» وهو أشبهه بالدقلة التي يرتديها الرجال عند أدائهم للعرضة. ويبرز معرض «تفاصيل» الذي يسلط الضوء على تشابه العناصر الجمالية بين الملابس الشعبية السعودية من حيث الشكل العام والتطريز الذي يضفي لمسة فريدة على الزي التقليدي لكل منطقة، حيث كان التطريز يلعب دورًا مهمًا في تنوع مظهر الزي، وهو ما جعلنا نعود إلى التاريخ القديم لإبراز الهوية الثقافية ومعرفة التطورات العصرية التي طرأت على الزي التقليدي السعودي. الجدير بالذكر أن للأزياء تاريخًا طويلًا وعريقًا يمتد إلى أعماق الحضارة وتتوارثه الشعوب، وكل من يتأمل الأزياء التقليدية يجد فيها الكثير مما تحمله من معلومات، فالأزياء بكل تفاصيلها مرآة تعكس لنا جوانب كثيرة نستطيع من خلالها معرفة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتلك المجتمعات، ومنها نستمد جذورنا ونرث ما تركه لنا أجدادنا من حضارة نطوّرها لتتواءم مع متطلبات عصرنا.