عندما نخوض في طقوس زمان، ليعلم هذا الجيل، كيف كانت حياة أسلافنا، في ظل عدم وجود إمكانيات، مثل هذا الزمن الذي نعيشه في رغد وأمن وأمان. رحل رجال ذلك الجيل تاركين من خلفهم إرثاً، وتراثاً، وموروثاً، وذكريات، لعادات، وتقاليد ذلك الزمن، تناقلت الأجيال البعض منها بعدهم جيل من بعد جيل إلى يومنا هذا. في ذلك الزمن الجميل، وبالرغم من شظف العيش، كانوا في قُرى وبيوتات من القش متناثرة، ولكنهم بقلوب متقاربة ومتحابة، كانت الحياة تسير على ما يرام، حسبما سمعنا من كبار السن، الذين عاصروا ذلك الزمن، من قصص، عن تلك الحياة، وشجونها، وطعم الحياة فيها، وتماسك المجتمع، والحفاظ على العادات، والتقاليد، كُلنا آذان صاغية، لقصصهم الجميلة، وقد شهدنا بعض الشيء البسيط من تلك الحياة، اليوم ونحن في نعم لا تعد ولا تحصى، ولكن بحاجة لشيء من إيجابيات ذلك الزمن، ومنها الصديق الصدوق، والجار، والقريب، والجليس الأنيس، الذي هو أشبه ببائع المسك، والعنبر، والعود، والورد، والياسمين، نحمل منه في ملابسنا ريح الطيب. ومع كثرة الأصحاب، والأصدقاء، وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، فقدنا الكثير في مجالسنا، ومنها الانشغال وقت الحضور بالجوال، ضحكة مع نكته، وغيرها حتى ينفض المجلس. كانت المجالس عامرة بالفكاهة والمرح (والإصغاء لما يدور في المجلس لا جوال ولا إنترنت يشغلهم) والطبخ على الحطب والقصص والشعراء على نور القمر والكوكب الساري والشاي والقهوة على الحطب، (لا تقولوا إنهم غير مشغولين وعندهم فراغ ويريدون قتل الوقت. وإليكم شيئا بسيطا ممن سمعناه عن بعض الأعمال الشاقة في ذلك الوقت، إلى عهد قريب، كنت شاهداً على العصر، وتقريباً في الثمانينات هجري). في الصباح الباكر يستيقظون على صياح الديوك إيذاناً بقرب صلاة الفجر، ومع فج النور، ينتشر الرجال، والشباب، والنساء لطلب العيش في مشقة. وأصعب الأعمال من الصباح، إلى المغرب، وخاصةً عند نزول الأمطار والسيول كان نقيق الضفادع أول المبشرات بقدوم السيل، ورائحته تتسلل في كل بيت ثم يستيقظ الرجال، والشباب في عتمة الليل حاملين المساحي، والفوانيس إلى الوادي، وهم يرددون: (واسيلاه واسيلاه)؛ فرحين بهذا السيل، والوقوف عند الزهوب، والعقوم حتى ترتوي من ماء السيل، ويحمل هذه البشارة لأهله؛ لأن متاع الدنيا في ذلك الوقت في المحاصيل الزراعية، حب الذرة، والدخن، والسمسم من دون كيميائيات، وتبدأ مسيرة متابعة محاصيل هذه الحبوب شهورا والرجال والشباب والنساء، يدا بيد كانت المرأة مسؤولة عن قص العذوق، بعد أن يتم حصاد الزرع من قبل الرجال وتسطيرها على الأرض أيدٍ سعودية لم تعترف بالبطالة، أو الكسل، والخمول. المرأة من الصباح إلى قبل الغروب تحصد العذوق في زنبيل كبير إلى ما يسمى بالجرين عشرات المرات والأجرة قبل الغروب تعبئة هذا الزنبيل من العذوق الممتلئة بالحبوب من قبل صاحب البلاد مقابل عمل أثنتي عشرة ساعة متواصلة، ثم يتقابل الشباب على كومة العذوق الممتلئة بالحبوب في الجرين بآلة خشبية تسمى البسة مقوسة وثقيلة ولكن عزيمة الرجال، وقوة أجسامهم، يحملونها بكل أريحية، وفي عملية مطولة لجلب المحاصيل للمنزل، يأتي الدور على تخزين المحاصيل، في حفرة عميقة، تبدأ انسيابية، ثم يفرش على أرضها الجوش بقايا العذوق. ويوضع الحب ثم يغطى بنفس المادة ليحتفظ بجودته سنين. (أين الفراغ مع هذه الأعمال الشاقة ناهيك عن الرعي وجلب المياه من الآبار المكشوفة بدلو من الربل والرشا). كانت المجالس الضيقة وغير المهيئة في كل بيت ملتقى المحبين والأقارب بصدق المحبة والمودة وجها لوجه أصدقاء ناس ذلك الزمان غير بنكهة الوفاء والوقوف في الشدائد مجالسهم تخلو من الغيبة والنميمة وتتميز بحقوق الجار ومساعدة الفقراء والمعوزين وصلة الرحم، والسمي عندهم مقدسين ولا يهونون ناس الحاضر فيهم الخير والبركة ولكل زمان ظروفه الخاصة. محمد بن أحمد الناشري