لم يكن معرضُ الكتاب المقام في مدينة الرياض ما بين الأول والعاشر من أكتوبر للعام 2021م، مُجردَ معرضِ كتاب؛ بل احتفالية به وبأربابه والمهتمين به من قراءٍ ومؤلفين وناشرين ومترجمين، وهذه الاحتفالية لم تكن الأولى من نوعها، فمنذُ معرض الكتاب الأول المُقام بالرياض في العام 1397ه، والكتابُ محطُ الاهتمامِ؛ إلا أنّ الاحتفاء هذا العام تميّز عما سبقه من معارض وأخذَ مناحٍ عدّة؛ إذ لفتَ انتباهي وأثارَ إعجابي ما لحظته أثناء زيارتي لمعرض الكتاب لهذا العام؛ كثرةِ الكتبِ المُترجَمةِ من اللغات المُختلفة وإليها، كما كان مثارُ الإعجاب ما لوحِظَ من شغف القارئ العربيّ والسعوديّ بوجهٍ خاص واهتمامه بالكتب المُترجَمة ولهفه ونهمه عليها، وما أدل على ذلك من الأعداد الغفيرة التي زارت المعرض والتي زادت على 900 ألفِ زائر -كما أشارت إلى ذلك وزارة الثقافة-، وما ذاك إلا نتاجًا لحسنِ التنظيم، وما تضمنه المعرض من محتوى جيّد بل مُتميّز في كثيرٍ مما هو على أرففه، وهذا ما ذكره وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان: "إن معرض الرياض الدوليّ للكتاب هو بوابة النشر العربي والأكبر في منطقتنا من حيث عدد الزوار وحجم المبيعات ودور النشر المشاركة". ومما أضفى على معرضِ الكتاب لهذا العام بهاءً على بهائه ما أقيم على ضفافه من فعاليات ثقافية مُتعددة في مُختلف الموضوعات، وكذا الندوات والمؤتمرات والمحاضرات وورش العمل، إلا أنه حبذا لو أن تُرجمت تلك الفعاليات ترجمةً فورية للغات الحيّة. وما زاد من الإعجابِ أيضًا هم أولئك المترجمين الذين آلوا على أنفسهم أن يصبّوا جُلَّ اهتمامهم على اختيار الكتابِ المُناسب للقارئ العربيّ، وترجمته بأسلوبٍ واضحٍ، ولغةٍ سليمةٍ، ونقل الفكرةِ بأخلاقِ المُترجم، بمصداقيةٍ وإيمانٍ لما يقومُ به من ترجمةٍ؛ سواءً أكانت تلك الترجمة سياسية أم طبية أم اقتصادية أم سيرًا للذات، وقد تكون لأمهاتِ الكتبِ والمراجع؛ حيثُ إنّ الترجمة لا بُدَّ أن تتلمّس روحُ الكاتب، فإذا خلَت الترجمةُ مما يؤمنُ به الكاتب؛ فقد تكون قليلة الجدوى، وهذا ما يجعلُ الترجمة صعبةُ المنال إلا لمن يتحلّى بالاحترافية والمهنية وتقمّص شخصية الكاتب. وما إطلاق هيئة الأدب والنشر والترجمة لجائزة النشر المُتميز في الترجمة ضمن أنشطة معرض الرياض الدوليّ للكتاب؛ إلا إيمانًا من الهيئة بهذه المبادئ وتأديتها وفق هذا المفهوم، وتشجيعًا للمترجمين وأرباب المهنة لإثراء المحتوى العربي بالمواد المترجمة ذات القيمة المعرفية العالية؛ ذلك أنّ الترجمةَ مفتاحُ التواصل بين الحضارات والثقافات وربط الأمم بعضها ببعض، وما تكريم "دار مدارك للنشر والتوزيع" لجائزة النشر المُتميز في الترجمة لهذا العام؛ إلا لمساهمتها الفاعلة في إثراء المكتبة العربية بالكتب المُترجمة ذات الجودة في مختلف التخصصات؛ للسنوات الخمس المُنصرمة. فهنيئًا للترجمةِ والمترجمين والمهتمين بها وعُشّاقها، فلهم أن يعتزوا ويتباهوا بما حظيت به مهنتهم من حفاوةٍ وتقديرٍ من قبل القارئ العربيّ ومن المسؤولين عن الكتاب والمهتمين به، وما امتلاء أرفف معرض الكتاب من الكتب المترجمة إلا إيمانًا من الجميع بأهمية الترجمةِ من اللغة العربية وإليها... وفي هذا المقام، التحية تلوَ التحية لهيئة الأدب والنشر والترجمة في وزارة الثقافة على ما حظيت به الترجمة في معرض الكتاب من تحريض للمترجمين على شحذ الهمم والعزائم في ترجمةِ مزيدٍ من الكتب ذات النفع لمختلف الفئات ومن شتى الثقافات.