تعددت المفاهيم من هو المُسن؟ قد نجد في بعض الكلمات الدارجة لدينا يقول كل منا للآخر إذا كان مهمومًا (إنك تبدو وكأنك في سن السبعين عامًا أو أصبحت مُسناً) وقد قالت العرب من بلغ السبعين اشتكى من غير علة. في حين قد ينصرف البعض إلى أمور أخرى لتعويض فقدان الشباب من خلال المُثل العربية التي تستهدي الأفئدة، فقد نشاهد رجلاً مسناً ضحوكاً وفكاهياً وتقول له أنت في سن الشباب، أو رجلاً تزوج من شابة صغيرة ونقول تبدو وكأنك في العشرين من عمرك. هذه الأحاديث وإن كانت بسيطة إلا أنها مبنية على أساس علمي للتعبير عن التغيرات البيولوجية والنفسية التي يمر بها المسن، فكلمة مسن تنعكس على إحساسنا وعواطفنا ومظهرنا الخارجي أيضاً. إن هذه الفترة التي يمر بها المُسن هي فترةٌ يبدأ فيها الإنسان يتغير من طور إلى طور آخر ليس بأفضل من سابقيه..!! سأتوقف قليلاً عند هذه العبارة لأنني كتبتها وأنا أختلف في معناها الكلي وأتفق في بعض النقاط معها.. فلم يقف تقدم العمر حائلاً بين الحارث بن حِلِّزة، وهو ابن مئة وخمسة وثلاثين عامًا في ارتجال أجمل قصائده، فالمسن وإن كانت تبدو عليه التغيرات البيولوجية والسيكولوجية في انحدار وتغير عن سابقيها إلا أن المسن ليس صفحة بيضاء فلديه من المقومات والخبرة التي يمكن استخدامها واستثمارها على النحو الأفضل في إحراز التقدم في جميع المجالات وخصوصاً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. فالخطط الاقتصادية والاجتماعية للدول كافة تعمل على تحفيز فئات العمر المختلفة على العطاء لزيادة الإنتاجية مع تركيزها على الفئات القادرة على العمل، بالإضافة لعدم الاستغناء عن حكمة ومشورة الأفكار الاستثمارية التي يحصلون عليها من الأكبر سناً وأكثر خبرة، فهم يرون أنّ المُسن أكثر جلَدًا واحتمالاً من الشباب، وأعمق تجربة، وأسمى وقارًا. لذلك جاء الاهتمام بدراسة كبار السن ورعايتهم من الجهات المسؤولة وذلك لحاجة المجتمعات إلى الانتفاع من خبراتهم وقدراتهم، إضافة لذلك زيادة عدد المسنين في العالم عامل آخر يسهم في الاهتمام بهذه الفئة. فنرى في المجتمعات الغربية المعاصرة التي تؤمن بالقوة والسرعة والإنجاز؛ هذه صفات لا تتوفر في جيل المسنين لذلك مكانتهم متدنية فيها فتقسو الحياة عليهم ويهجرهم أبناؤهم وتضيق بهم سبل العيش، وهناك من الأساطير الأولية ما يدل على مكانة المسن السلبية لدى مجتمعاتهم. في المقابل مكانتهم في مجتمعنا العربي الإسلامي أفضل من ذلك، فقد رسم الدين الإسلامي معالم طريقة التعامل مع المسنين وجعلها معياراً لوصف أمة الإسلام، حين جعل من إجلال الله تعالى إكرام كبار السن، كما وفرت لهم الحكومات إجراءات إنسانية ولغيرهم ممن لا معيل له بسن قانون الرعاية الاجتماعية الذي ضمن لهم الرعاية والعيش الكريم وأعطاهم مكانة مميزة من حيث توضيحها والكيفية التي يجب التعامل بها معهم من تقدير واحترام فقد ذُكر التقدم في العمر بعدة آيات من القرآن الكريم، حيث جاء قوله تعالى: [0للَّهُ 0لَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعف ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ ضَعف قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعدِ قُوَّة ضَعفا وَشَيبَة يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ 0لعَلِيمُ 0لقَدِيرُ]. أما العلماء فقد تجادلوا في رأيهم ونظرتهم وتفسيرهم حول المسنين؛ فعلى الصعيد الفكري رأى غيلورموس أن المُسن يبقى شاباً بالطريقة التي يشعر بها ويفكر بها وتعتمد على روح طموحة، في حين يرى لكوين على صعيد القابليات أنه يصاب باضطرابات في الشخصية نتيجة لتقدمه في السن. باختصار؛ قد يختلف تقييمنا لدور المسنين ورأينا هل يتناسب العمر الزمني مع قدراتهم ومهاراتهم أم لا؟، ولكنني على قناعة بأن قيمة الإنسان في النهاية تساوي مجموع خبراته، واعتقاداته، وأفكاره، وآرءه التي حصدها من السنين.. وفي الختامِ.. تخصيص هذا اليوم (الأول من أكتوبر) كُل عام ليكون "يوم المسنين" ليس كافيًا للتوعية وتسليط الضوء على حاجاتهم وحقوقهم القانونية وخصوصًا في الوقت الذي نعيشه حاليًا من تطور تكنولوجي سريع وعالم رقمي يغلبه المخاطر والجرائم الإلكترونية التي تحتاج منا جهوداً مكثفة لحمايتهم منها، وتحقيق المساواة لهم في جميع جوانب الحياة، من أجل مجتمع لجميع الأعمار. هذا أملٌ ورجاء.. وبالسعي سيتحققُ. * باحثة دكتوراه