قد يصبح هذا المصطلح شائعا وربما حل محل الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين بذات المسمى أو بمسميات محببة لليساريين كالتقدميين. بدأت بذرة التيار اليساري الإسلامي في كتابات جمال الدين الأفغاني وسيد قطب قبل انضمامه للإخوان في كتابيه "معركة الإسلام والرأسمالية" و"العدالة الاجتماعية في الإسلام". من رواد اليسار الإسلامي الأول مصطفى السباعي "اشتراكية الإسلام" وخالد محمد خالد والعائدون من الماركسية وعلى رأسهم محمد عمارة، لكن التيار برغم عدم اكتمال صورته لم يكن محصوراً في مصر بل كان موجودا في إيرانوباكستان وكان هو المحرك لاستقلال باكستان عن الهند. أما تسميته باليسار الإسلامي فتعود للمفكر المصري الدكتور حسن حنفي الذي يعتبر من أهم المنظرين لهذا التيار، وقد عرف اليسار الإسلامى بأنه (عبارة عن حركة تاريخية جماهيرية ثقافية حضارية اجتماعية سياسية... وثقافتنا ترتكز على ثلاثة أصول أولا التراث القديم ثانيا التراث الغربي ثالثا القران الكريم). من قيادات هذا التيار الذين اجتهدوا لتحويله إلى حركة سياسية بديلة الأستاذ الجامعي أحميدة النيفر والصحفي صلاح الدين الجورشي والسياسي محمد القوماني من تونس، وعلي بلحاج في الجزائر، والترابي في السودان وعلي شريعتي في إيران. التيار اليساري الإسلامي تيار يتبنى الأفكار اليسارية في شقها الاجتماعي معزولا عن أيديولوجيتها، لم يجد له قبولا لدى الناس ولا في الجامعات بسبب غلبة التيارات الإسلامية الأخرى كالإخوان والإسلام الرسمي، بل لقد أصبح متهماً من جميع التيارات. التيار ما يزال محدود الانتشار والقبول برغم التسميات الأخرى التي أعطيت له كالإسلاميين التقدميين لتجعله أكثر قبولا، إلا أنها لم تفلح في تفادي الفشل لهذا التيار للدرجة التي دفعت مُنظره الأول الدكتور حسن حنفي لتأليف كتاب "لماذا فشل اليسار الإسلامي". لكن حدث متغيران على الساحة تمثلا في الفشل السياسي الذريع لتيار الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية وانكشاف زيف شعاراتهم التي طالما خدعوا بها الناس في المغرب والسودان ومصر وتونس والأردن وفلسطين أزاح منافساً شرساً لليسار الإسلامي من الساحة السياسية، يضاف له تبني اليسار الأوروبي لليسار الإسلامي لمجابهة اليمين بشقيه في أوروبا. هذان المتغيران قد يمثلان قبلة الحياة وبارقة أمل لليسار الإسلامي، ففلول الإخوان والثائرون عليهم من داخل الجماعة جادون في البحث عن قالب سياسي جديد يعيدهم للمعترك السياسي بعيداً عن الإخوان المسلمين ومخازيهم، واليسار الإسلامي بحاجة لأتباع تمكنه من الولوج لذات المعترك بوجهٍ جديد وربما مسميات جديدة وأعضاء كُثر. المحاولات بدأت بالفعل في بلاد المغرب العربي وأوروبا وقد تكون تونس متقدمة بمراحل في هذا الشأن، وأكاد أجزم أن هناك تنسيقا على أكثر من مستوى بين تلك الدول وبين أردوغان المتلون -الذي فقد الكثير من خلال تبنيه الجماعات الإرهابية- لإعادة تشكيل اليسار الإسلامي وطرحه بديلاً عن الإخوان والجماعات الإسلامية. يبقى السؤال المهم هل اليسار الإسلامي قادر على التعايش وقبول التعددية؟ الواضح أنه تيار يؤمن بالمرجعية مما يعني أن قبوله للآخرين ليس سوى مرحلية ستلغيها غلبته إن تحققت، ومن أهم المؤشرات على ذلك كتاب علي بلحاج "الدمغة القوية لنسف عقيدة الديمقراطية". هذه الإشكالية الملازمة لجميع التيارات الإسلامية ستقضي عاجلا أم آجلا على الإسلام السياسي بكافة توجهاته ومسمياته. د. محمد ناهض القويز