تعتبر الأوقاف أهم مصادر التمويل المستدام للتنمية، وقد أشار مكتب الأممالمتحدة في المملكة بالتعاون مع المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص في تقرير نشر حديثاً، إلى "أن حجم الأوقاف في المملكة هو الأكبر مقارنة بالدول ذات الغالبية المسلمة لما تتمتع به المملكة من خصوصية، إذ تحتضن على أراضيها الحرمين الشريفين، ما جعل المملكة مقصداً للجميع من مختلف بقاع الأرض". إحدى أهم المبادرات التنموية في مجال العمل الخيري والتي برزت مؤخراً في المملكة هي الصناديق الاستثمارية الوقفية، حيث تهدف الصناديق إلى الإسهام في تلبية الاحتياجات المجتمعية والتنموية، ورفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي، وهي صناديق غير محددة المدة، وجميع وحداتها موقوفة وغير متداولة، والمساهمة فيها متاحة للجميع، ويصرف ريعها للجهات المستفيدة من الصندوق. من ناحية أخرى أحد أهداف هيئة السوق المالية الاستراتيجية لتحفيز الاستثمار هو دعم نمو إدارة الأصول وتعزيز الاستثمار المؤسسي، ولتحقيق هذا الهدف هناك عدة مبادرات، وإحداها التمكين من إنشاء ونمو الصناديق الوقفية، وأعتقد أن أول خطوة لتحقيق نمو في قاعدة المشتركين في الصناديق الوقفية، وجعلها متاحة بطريقة سهلة وممكنة للجميع هي تسهيل عملية الاشتراك في الصناديق الوقفية، ويكون ذلك بعدم إلزامية فتح الحساب الاستثماري لدى مؤسسات السوق المالية للراغبين في الاشتراك في الصناديق الوقفية، حيث إن الوضع المعمول به حالياً يتطلب فتح حساب استثماري لدى مدير الصندوق حتى يتمكن الواقف من الاشتراك في الصندوق، وأحياناً حساباً جارياً إذا كان مدير الصندوق ذراعاً استثمارياً لأحد البنوك. عملية الاشتراك في الصناديق الوقفية يجب أن تشبه أي عملية تبرع في أي عمل خيري يتم عبر المنصات المعتمدة المرخصة في المملكة مثل "فرجت" و"إحسان"، عندما يصبح الاشتراك سهلاً في هذه الصناديق ومتاحاً عبر المنصات الخيرية، بالتأكيد إن أصول هذه الصناديق سترتفع وتنمو بشكل سريع. وخاصة إذا ما علمنا بأن الصندوق الوقفي مستثنى من أحكام طلبات الاسترداد الواردة في لائحة صناديق الاستثمار، وبالتالي أي عميل سيقوم بالاشتراك في الصندوق الوقفي لن يتمكن من استرداد أمواله، أي أن العميل ليس المستفيد الحقيقي من العائد، وإنما الجهة المستفيدة هي الكيان غير الربحي والمرخص له في المملكة. أتمنى من هيئة السوق المالية والهيئة العامة للأوقاف أن تنظر في هذا المقترح، والذي سيكون محفزاً للاستثمار، وسيدعم نمو إدارة الأصول، ونمو الصناديق الوقفية في المملكة، وخاصة أن العمل الوقفي يعتبر أفضل صور العمل الخيري والمتصل بين الأجيال كونه صدقة جارية، أصلها ثابت وأجرها دائم وعطاؤها مستمر.