عُدَّ الوقف في الإسلام من أجمل صور الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ وهو من الصدقات الجارية التي يستمر عطاؤها ما بقي الوقف؛ وإن رحل الموقف عن هذه الدار الفانية. روى أبوهريرة؛ رضي الله عنه؛ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية أو علم ينتفع به؛ أو ولد صالح يدعو له». وقال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. وهذا في الإنفاق على وجه العموم، أما الإنفاق على الوقف فهو إنفاق مستدام؛ لا منقطع، تتوالى حسناته وبركته على الموقف في الدارين الأولى والآخرة. وعلى الرغم من أهمية الوقف لرعاية المحتاجين من الفقراء والمساكين واليتامى والعجزة؛ إلا أن المسلمين اهتموا بتنويع الأوقاف؛ والتوسع في مصارفها، لتنمية البشرية والمساهمة في تعزيز الحضارة؛ فتشعبت في جوانب الحياة المختلفة. ومع تطور الأسواق، وتنوّع الأوعية الاستثمارية، باتت الخيارات الوقفية مفتوحة للمبدعين في هيكلة الأوقاف؛ والممولين لها، وأحسب أن صناديق الاستثمار الوقفية أحد أهم أنواع الأوقاف الحديثة، التي تجمع بين حبس الأصل وتنميته واستثمار عوائده في مصارف خيرية وتنموية متنوّعة. مؤسسة مستشفى الملك فيصل الخيرية من المؤسسات الرائدة في الخدمات الطبية والبحثية والإنسانية؛ وقد نجحت في تتويج مبادراتها الإنسانية المتنوّعة بإنشاء صندوق استثماري وقفي؛ ليكون نواة الصناديق الاستثمارية الوقفية المرخصة من هيئة السوق المالية. موافقة الهيئة على طرح وحدات «صندوق الإنماء وريف الوقفي» طرحاً عاماً؛ مع وقف وحداته لصالح مؤسسة «وريف الخيرية»؛ يفتح الباب على مصراعيه للأوقاف الاستثمارية المبتكرة؛ كوسيلة من الوسائل العصرية غير التقليدية؛ والخاضعة لإشراف هيئة السوق المالية؛ والمطبقة للحوكمة والشفافية المطلقة. ستسهم الشراكة بين هيئة السوق المالية والهيئة العامة للأوقاف ومؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي في تعزيز مكانة الأوقاف في التنمية؛ وتيسير الوصول إليها من الجميع؛ وتحقيق الاستدامة لها؛ وتنويع مصارفها وزيادة مساهمة القطاع الوقفي في الاقتصاد وتنمية المجتمع. تهدف رؤية المملكة 2030 إلى تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ورفع مساهمة القطاع غير الربحي في الاقتصاد؛ وأحسب أن إنشاء صندوق وريف الوقفي سيعزِّز من فرص تحقيق ذلك الهدف من خلال تحيز مؤسسات المجتمع المدني لاستنساخ فكرة الصناديق الاستثمارية الوقفية. أختم بالتأكيد على أهمية العمل المجتمعي ومسؤولية القطاع الخاص؛ لذا أتمنى من شركة الإنماء للاستثمار أن تحقق البعد المجتمعي في إدارتها لأصول الصندوق الوقفي؛ وأن تخفض رسومها الإدارية إلى الحد الأدنى الضامن لتغطية جزء من تكاليف الإدارة؛ والاستغناء عن هامش الربح لمصلحة الصندوق الذي ستوجه عوائده للإنفاق على برامج المستشفى الإنسانية والبحثية.