جدران ماض يخربشها زمن مختلف، تحلق بأمنيات زاحفة، يقولون له: "عندما تجعل من محبة الآخرين رواية حياتك فلن يكون لها فصل أخير أبدا".. تذكرته جيدا كان يدمن ان يشار له بالبنان دوما، فخطفوا عينه بأصابعهم، ويصر مجددا على قوله: "أنا نباتي"، لكنه دوما يأكل لحوم البشر.. غريبة هذه الكتل النفسية تذيبهم في صلابة التأمل.. دعونا نبحر على يابسة فكرة هاربة هنا. كم هو مؤلم أن تحتضر عاطفتك في وقت نشاطها، وأن تنشط في وقت احتضارها، وكم هو مزعج أن تتألم وأنت تتأمل، وتتأمل وأنت تتألم.. أحيانا تصعب بعض الخيارات أمامنا وتضعف قدرتنا علي الاختيار والقرار.. بين أطراف يجمعها التفرق ويفرقها الاجتماع تجد نفسك نقطة ضوء في أحرج حالاتك.. أحيانا تقهرك بعض الخيارات بأطرافها، وتهزمك بعض الأطراف بخياراتها فتضحى كزمن ضاع بين الساعات ووقت تاه بين التواريخ، أو تكون كلغة بلا كلمات نطقت. أحيانا يكون ما يروي عطشك من الماء سببا في غرقك.. بعض المشاعر تعبث بداخلنا فنفقد توازننا في لحظات نعتقد أننا ثابتون.. ونثبت في وقفات نظن أننا حينها مهزوزون ذلك جزء من الإحساس بالتلاشي وأجزاء من تلاشي الإحساس.. ما أثقل هذا التفكير الذي يضعنا في خفة أنفسنا، وما أخف ذلك الهاجس الذي يعتصرنا في ثقل ذواتنا.. لم أظن أن الحب يقسمنا إلي اثنين كلاهما ملتصق، ولم ازعم أن قلبي يستطيع المسير في محطات التوقف، أو يتوقف في دروب السير. كل شيء يأتي بأشياء ويرحل بأشياء.. المهم بماذا سيأتي وبماذا سيرحل؟ نعم قبل أن تختار لابد أن تحتار.. ولكن أن تحتار بعد الاختيار فذاك يتعبنا، وأن تبكي لابد أن تقرر، وقد تقرر ثم تبكي فتشعر حينها أنك محبوس في زجاجة ويد الحزن تمسح ظاهرك، وتحس أحيانا أنك طليق في قيود ومقيد في حرية.. نعم فالانتقاء بين الخيارات فكرة غبية في عقل ذكي، أو عقل مغفل بفكرة مضيئة، وهي حقيقة غائبة قد تحضر، وخيال حاضر قد يغيب. بين تلك الأطراف وثقل الخيارات تكون المسافة بين أصواتنا وأحاسيسنا بعيدة جدا، وتمسي نبضاتنا قريبة من الخذلان، ويضحي السكوت حاكما لأفواهنا، وتصبح الدموع تاريخا في ذاكرة شيخوختنا. ويبقى القول: لا تتعودوا أن تكونوا خيارا بين طرفين أو أن تكونوا طرفا بين خيارين، ولا تجعلوا قلوبكم بين حالتين من الحب فالقلوب لا تقسم إلى نصفين.. فيكون الأسوأ عندما يسلبك التردد، وتتعطل قدرتك على الاختيار.. "فالاحلام لم تترك لنا رفاهية الاختيار".