رغم مرور أكثر من أسبوع على انتزاع الكولونيل مامادي دومبويا مقاليد السلطة في غينيا، لا تزال فرنسا لا تعرف بالضبط كيف تتعامل مع الأزمة التي تشهدها المستعمرة الفرنسية السابقة في غرب إفريقيا. ويبدو أن لديها قناعة في الوقت الراهن أن تدع منظمات تعددية، مثل الاتحاد الإفريقي، والتجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، تبحث عن حل. واستبعد الكاتب الأمريكي من أصل هندي، بوبي جوش، في تحليل نشرته وكالة أنباء بلومبرغ، أن تذهب مثل هذه المنظمات إلى حد بعيد، حيث قال: إن "إيكواس" عقدت اجتماعاً "إيجابياً" مع قائد الانقلاب في العاصمة كوناكري، على ساحل المحيط الأطلسي، وأشار إلى أمل ضئيل في إمكانية عودة حكومة مدنية إلى مقاليد السلطة في غينيا. ويضيف جوش أن النتيجة الأكثر احتمالاً هي وجود نظام عسكري بقيادة دومبويا، مع تعهد بمرحلة انتقالية للتحول إلى الديمقراطية في مرحلة ما. وكانت هذه هي صيغة التسوية في دولتين من الدول الفرانكوفونية، مالي وتشاد، اللتين شهدتا انقلابين في وقت سابق هذا الصيف. وقد راقت هذه النتائج للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يقدم سوى انتقادات صامتة للانقلاب في باماكو، وأيد تعيين مجلس عسكري في نجامينا. وقد خففت وعود التحول إلى الديمقراطية مستقبلاً من الشعور بالإحراج في التعامل مع الطغاة في الوقت الحالي. ويرى جوش أن تكيف فرنسا سريعاً مع العسكريين الأقوياء قد شكل مصدر إلهام لمن لديهم الرغبة في إفريقيا الفرانكوفونية للوثوب على السلطة، وكان دومبويا يتابع ذلك باهتمام خاص. ولم يتضح بعد طول الفترة التي قضاها دومبويا مع زميله، رئيس مالي المؤقت، الكولونيل عاصمي جويتا، عندما شارك الاثنان في تدريبات بقيادة الجيش الأمريكي في بوركينا فاسو في عام 2019. ولكن من الصعب أن يغيب عن غينيا كيف استطاع جويتا في وقت لاحق قيادة انقلابين- أطاح في الأول بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس عام 2020، ثم الرئيس الانتقالي باه نداو في مايو الماضي - في ظل ما هو أكثر قليلاً من مجرد الرفض العابر من ماكرون. وقامت فرنسا بتعليق العمليات المشتركة مع الجيش في مالي لنحو شهر. ومن قبيل المفارقات أن الرجل الذي أطاح به دومبويا، الرئيس ألفا كوندي، كان يعتمد على ما يتحلى به الرئيس الفرنسي من نفاق. فقد أعيد انتخاب كوندي رئيسا لغينيا العام الماضي، بعدما دفع باتجاه تعديلات دستورية تسمح له بخوض الانتخابات والفوز بولاية ثالثة، وقد انتقد الرئيس الفرنسي تمسك كوندي بالسلطة، ولكن الأخير اعتقد أن حالة من التسامح سوف تأتي لاحقاً. ولمَ لا؟ وماكرون لم يتورع عن تهنئة الحسن واتارا بعد فوزه بولاية ثالثة في رئاسة كوت ديفوار عبر آلاعيب دستورية. ويرى جوش أن انقلاب دومبويا في غينيا يأتي في لحظة غير ملائمة على نحو خاص للرئيس الفرنسي، الذي يسعى إلى إعادة انتخابه لولاية جديدة العام المقبل، في الوقت الذي يحاول فيه حزبه، الجمهورية إلى الأمام، التعافي من هزيمة مخزية لحقت به في الانتخابات الإقليمية في يونيو الماضي. وفي الوقت الذي يسعى فيه ماكرون إلى ولاية جديدة، تتعرض سياسته الخارجية لنوع من التمحيص الدقيق على نحو خاص، في خضم حالة من التذمر بين صفوف الدبلوماسيين المتخصصين، والذين يصفون الرجل بأنه "مظهر بلا جوهر". وبحسب جوش، كانت مساعي تحسين العلاقات مع الدول الفرانكفونية في إفريقيا، في مواجهة تنامي نفوذ الصين وتركيا وروسيا، أولوية بالنسبة لماكرون، وقد منحته المنطقة فرصاً لتلميع مكانته الدولية، والتي شملت قمة دولية في وقت سابق الشهر الجاري، جرى تسييسها بشكل كبير. وربما يكون الأهم من ذلك هو أن تعزيز التعاون مع المستعمرات الفرنسية السابقة أمر ضروري لجهود الرئيس الفرنسي في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، أي الحزام الذي يتضمن عدداً من الدول جنوب الصحراء الإفريقية. وربما تفسر هذه العوامل لماذا يخشى ماكرون استعداء الحكام الجدد في مالي وتشاد، والآن في غينيا. ولكن الرئيس الفرنسي، بمنحه جواز مرور مجانياً لرجل عسكري آخر، فإنه في الحقيقة يدعو المزيد إلى استغلال قبضته الضعيفة. والآن سيفكر العديد من زعماء المنطقة في عصبية وتوجس: الحسن واتارا في كوت ديفوار، وفاور جناسينجبي في توجو، وبول بيا في الكاميرون، وباتريس تالون في بنين. وفي ختام التحليل، يقول جوش: إنه حتى لو لم تقع انقلابات جديدة من الآن وحتى موعد إجراء الانتخابات الفرنسية في أبريل 2022، سوف يكون تقلص الديمقراطية في إفريقيا، على أقل تقدير، مصدر إحراج لماكرون، الذي لن يلومن أحداً حينئذ إلا نفسه. .