تطرقنا في المقالة السابقة (هل يحولنا العمل أشراراً؟) إلى النتيجة المتوقعة من الصرامة المبالغ فيها في العمل من وجهة نظري ، وكان من اللافت للانتباه تباين الردود حول المقالة، لذلك كان لا بد من جمعها وعرضها على السادة القراء، لنستعرض معًا مسببات تحول بعض الموظفين لأشرار من وجهة نظر أخرى. ذكرت (آ. ع) أن العمل لا يحول الناس إلى أشرار، إلا عند من لديه الرغبة والاستعداد للتحول، ومن لديه ميول إلى هذا السلوك أو تربى عليه، عافانا الله وإياكم من هذه الفئة. وقالت (م. أ): "خبرتي تمتد إلى 28 سنة في المجال الحكومي، عملت في 13 مقرّ عمل في مدن مختلفة، واجهت شخصيات تجعل منك شريرًا ولو لفترة بسيطة، لكن نعود كما كنا بقناعاتنا بمجرد أن يعود الطرف الآخر إلى الطريق الصحيح"، وأيدتها في الرأي (م. ز) من ناحية الاضطرار للتدثر بالشرّ لفترة بسيطة، فهناك من يرجع لطبيعته، وهناك من يستمر. ومن الردود الجيدة في هذا الموضوع، ما ذكرته (م. ق) حيث قالت: "ليس العمل الذي يحولنا إلى أشرار، وإنما التنافس غير الشريف في أي مجال من مجالات الحياة، وهذا التنافس كفيل بتحويل بعض الأشخاص إلى وحوش لا يرون أمامهم إلا الوصول إلى أهدافهم ولو على حساب القيم الإنسانية، وأعتقد أن عقدة حب الظهور هي السبب الحقيقي وراء هذه المشكلة، ولهذا قال تعالى:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (القصص 83). ونختم بهذا الرد من (س. م): "اختلف معك، فالعمل لا يحولنا إلى أشرار، بل هو مثل النار للمعادن، فالمعدن الثمين والأصيل لا يمكن أن يتحول إلى معدن سيئ أو رديء، نعم قد يخبو لمعانه، ولكن تعرضنا للمواقف الضاغطة في بيئة العمل من خيبة وخذلان وتنافس غير شريف، هو ما يصنع النضج، رغم أنها تكون مؤلمة للنفس، والسؤال الذي نريد طرحه، ما مفهوم الشر عند أصحاب النفوس السوية والشخصيات المتزنة؟ إنه التوقف عن إحسان الظن بالجميع، وتقديم الجهود بلا مقابل، وتقديم التنازلات، إنه القدرة على قول لا في أوقات ومواقف لم نكن سابقًا نقولها فيها، إنه القرار على التوقف عن المجاملة وإعادة ترتيب أولوياتنا الوظيفية. إن العمل يكشف عن طباعنا الحقيقية، فيظهر سيئ الطبع حتى وإن حاول أن يظهر الجميل، كما يظهر لنا أصحاب الطباع النبيلة، فالطبع كما قيل يغلب التطبع".