ليست بقلة تلك الشخصيات البارزة في هذا الوطن، بل هم كثيرون، ولكن هل كل هؤلاء نعرف سيرتهم وتراجمهم وتفاصيل أحداثهم؟، فهؤلاء الذين أهملت سيرتهم فقدنا بذلك تاريخا وطنيا، خاصةً الذين رحلوا عن الدنيا قبل الاهتمام بهذا التراث. القيادي الكريم دواس الدواس برز في المشهد التاريخي الوطني عند تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وهذا المشهد التاريخي المجيد الذي كان فيه دواس حاضراً عند ضم حائل وما بعده من سنوات حتى رحيله عن هذه الدنيا، فهو شخصية حاضرة لها مكانتها. ذكر المؤرخ والباحث د. عبدالرحمن الفريح أنه دواس بن عفنان البدر الدواس، وذكر أيضاً في نبذته عن جده قائلاً: أنه ولد في بلدة السبعان عام 1292ه، وقد عاصر ما قبل توحيد المؤسس لهذه المملكة وما بعد التأسيس، وعاش هذه المرحلة حتى عام 1340ه، وهو ضم حائل، ولا شك أنه كان يسمع عن سيرة المؤسس منذ أن ضم الرياض عام 1319ه، وما حصل من أحداث ووقائع فكانت سيرة الملك المؤسس ملء السمع والبصر ولا تخفى على أحد مرحلة ما قبل ضم حائل، إذ عاش دواس الدواس قريبا من هذه الأحداث والوقائع، خاصةً ما قبل ضم حائل في منطقة القصيم. إن نشأة دواس الدواس ذي البأس الشديد بين عشيرته في بلدة السبعان كانت على الشيم العربية الأصيلة من كرم ومروءة ونبل وفزعة وشجاعة، فحمدت سيرته بين أهالي بلدته ومنطقة حائل وخارج المنطقة، ويتحدث د. عبدالرحمن الفريح عن دواس الدواس قائلاً: إن دواس من وجهاء حائل، ومن ممدوحي كبار الشعراء ومقصد طالبي الفضل. معلم أثري وقصر دواس الدواس - رحمه الله - معروف بل هو مشهور في منطقة حائل، لهذا كان ذا أهمية في المنطقة، وقد كتب عنه المهتمون بتاريخ حائل ومنهم الباحث المؤرخ ناصر البكر، حيث دوّن بحثاً ميدانياً عن مشاهده واطلاع، وكان عنوان بحثه القيّم «قصر دواس بين روعة البناء وعظمة التاريخ»، وهذا البناء الأثري القائم الآن تميز بعدة أمور لافتة للنظر ومنها، أولاً: عظم البناء في ذاك الزمن وذلك أن أسوار القصر مترامية الأطراف ذات سمك ضخم ومتماسك وهذا طابع القصر في ذلك الزمن، أو الحصن في لغة العرب فهو حصن منيع. وثانياً: به ساحة واسعة وآبار مياه وغرف للمحاصيل الزراعية كالقمح والتمور، وهذا يدل على أن هذا القصر به خزن استراتيجي لأجل أي طارئ من حصار للقصر، فيكون هذا التموين أمنا غذائيا، وكذا الآبار أمنا مائيا، فكان القصر يحوي هذين الأمنين الغذائي والمائي. وثالثاً: يوجد بهذا القصر مسجد وهذا شيء أساسي تقام فيه الصلوات الخمس وبه خلوة واسعة. ورابعاً: أن ارتفاع بنيان القصر أي جدرانه طويل جداً وهذا ليس عبثاً بل هو مقصود ليكون صاداً لأي اعتداء خارجي. وخامساً: هذا القصر أو الحصن الكبير قصر الشيخ الكريم الجواد دواس يحوي ديوانا للضيوف، وما دام أن الكرم والسخاء يجري في دمه فمن قواعد هذا القصر أن يكون للضيف مكان فيه ومأوى واستقرار، وهذا القصر طبعاً في بلدة السبعان الذي فيها ميلاد دواس وعشيرته، وهذه البلدة عريقة في القدم، وذكرها العلامة الموسوعي ياقوت الحموي - رحمه الله - في كتابه الشهير (معجم البلدان) في المجلد الثالث في رسم السين مع الياء، وسرد بعض الشواهد الشعرية على هذه البلدة كما هو منهجه، وقال المؤرخ د. عبد الرحمن الفريح في بحثه: تقع بلدة السبعان إلى الجنوب الشرقي من مدينة حائل على بعد 65 كيلو في سفح جبل سلمى الغربي، والسبعان واد شهير في الجبلين والمعروف من هذا الوادي بلدة عامرة تحمل هذا الاسم. مدرسة نظامية ومن الرجال الذين درسوا في السبعان وعلموا أبناءها الشيخ محمد بن عبدالعزيز الرديعان، وهو من حائل، ومكث الرديعان في بلدة السبعان حتى صدر أمر من الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بأن يكون الشيخ محمد الرديعان إماماً للمسجد النبوي وسماه الشيخ علي الهندي في كتابه (زهر الخمائل) الحميدي وترجم له ترجمة لطيفة، وأصبح فيما بعد قاضياً في العلا وتوفي سنة 1370ه، ونقل ترجمته هذه الشيخ صالح العثيمين في كتابه (تسهيل السابلة) عن كتاب (زهر الخمائل)، وكثيراً ما ينقل عن الشيخ علي الهندي في كتابه المذكور السابلة والشيخ الهندي معاصر للشيخ الرديعان، والأغلب أنه شاهده في حائل والشيخ الرديعان لا يعرفه الكثير مع أنه من أوائل من عيّن أماماً للمسجد النبوي، وهو من طلبة العلم، واستمر تلاميذ الرديعان بالتعليم في بلدة السبعان ومنهم الشيخ المعلم محمود المغربي، وأول مدرسة نظامية افتتحت في بلدة السبعان عام 1376ه وأصبحت مثل بقية قرى ومدن المملكة حيث شملتها النهضة التعليمية. قوي الشخصية ولم يكن دواس الدواس - رحمه الله - من الأشخاص المغمورين في مجتمعه، بل كان شهيراً ذائع الصيت والذكر عندما ضم المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - حائل إلى بقية أجزاء المملكة عام 1340ه، لهذا بعد ضم حائل قابل القيادي دواس الدواس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كما يذكر المؤرخ د. عبدالرحمن الفريح نقلاً عن الباحث ناصر البكر في بحثه، وفي هذا اللقاء كلفه الملك عبدالعزيز بمسؤولية أمن منطقة حائل حاضرة وبادية، وهذا يعطينا تجسيدا لشخصية دواس القيادي الموهوبة وأنه رأس في منطقته وعلم من الأعلام، وتكليف الملك المؤسس للقيادي دواس لم يأت عن فراغ، بل ثقة من الملك المؤسس ولشهرة القيادي دواس بقوة الشخصية؛ لأن مسؤولية كهذه حساسة لا يكلف بها إلاّ من تتوفر فيه قوة البأس والاتزان في الشخصية، وأن يكون قوياً وحازماً ومبادراً، وعنده سرعة في الإنجاز مع الاتقان، ومنطقة حائل منطقة واسعة فيها مئات القرى المتناثرة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً لذلك اختار الملك المؤسس دواس وكلفه بهذا الأمر الكبير الذي لا يستطيعه إلاّ كبير في شخصيته مثل القيادي دواس. 48 عاماً ودواس الدواس - رحمه الله - لا شك أنه من أصحاب الإخلاص والصدق في القول والفعل، لذا كرّس جهده وطاقته لهذه المسؤولية، وهو كذلك لن يستطيع وحده ضبط الأمن إلاّ برجال يثق فيهم، يقول المؤرخ د. عبدالرحمن الفريح في بحثه عن القيادي دواس: وقد قام بالمهمة التي أُسندت إليه خير قيام في مرحلة بالغة الأهمية في حائل حاضرتها وباديتها كأول مسؤول أمني في المنطقة، وكانت فراسة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وسداد رأيه دائماً صائبة فيمن يقع نظره عليهم ويختارهم لتثبيت أركان الدولة الناشئة الجديدة وإرساء دعائم نظامها في مجالاتها الأمنية والسياسية والإدارية والاجتماعية واختيار أمراء الحرب وقادة السرايا وكان دواس واحداً من هؤلاء. وكان القيادي الكريم دواس حينما كلّفه الملك عبدالعزيز بهذه المسؤولية في ال48 من العمر، وهذا العمر ليس عمراً صغيراً، حيث تكامل عقل الإنسان، وهو الأشد، والأشد في لغة العرب أربعون سنة، وأربعون سنة في ذاك الزمن عمر ليس سهلاً بل إن الثلاثين قبلها سن كبيرة إذا رزقت عقلاً وحكمة وتجربة، إذ أنه حينما يبلغ سن الرشد أي إنسان يتحمل كل المسؤوليات، ويعتمد عليه، فما بالك بعمر تجاوز الأربعين بثماني سنوات، لا بد أن الحياة قد عركته وعركها في زمن قاسي ليس فيه أي مجال لرفاهية العيش والتنعم بالحياة، والحياة كلها قسوة، وظروف البيئة لها دور في بناء الإنسان إمّا سلباً أو إيجاباً، فكانت نشأة القيادي دواس إيجابية، لذلك أسندت إليه هذه المسؤولية. ضبط الأمن ودواس الدواس - رحمه الله - قابل الأمير فيصل بن عبدالعزيز - الملك فيما بعد -، وقابل الأمير محمد بن عبدالرحمن قبيل فتح حائل، ونشر الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل بمجلة الدرعية وثيقة في صفحات «دنيا الوثائق» في العددين السادس والسابع، من الأمير محمد بن عبدالرحمن إلى دواس وفي الوثيقة: أن خطك وصل ومن طرف معاهدتكم لفيصل إن شاء الله، أن ظاهركم مثل باطنكم، واحرص على جميع الجبل حضره وبدوه، واحذر عن الأمر الذي يخل عليك، وهذه كذلك شهادة من الأمير محمد بن عبدالرحمن - رحمه الله - على كفاءة الشيخ دواس القيادية في ضبط الأمن في حائل، مؤكداً عليه أن تكون أعماله مستقيمة. وفي وثيقة أخرى تبيّن مكانة القيادي دواس القيادية والإدارية بالمنطقة خطاب موجّه من الأمير سعود بن عبدالعزيز - الملك فيما بعد - إلى دواس، حيث نصه أن دواس أمره راجع منه إلى الشيوخ وطوارفهم ما لكم أمر عليه يكون معلوم، وهذه الوثيقة من القيادي إبراهيم السبهان الذي عيّنه الملك المؤسس أميراً على حائل، وفيها يخبر أنه اطلع على خطاب الأمير سعود بن عبدالعزيز - الملك فيما بعد - إلى دواس وأن أمره راجع منه إلى الشيوخ: يعني أنه مكلف من قبل الملك عبدالعزيز، واستمر القيادي دواس مكلفاً بهذه الأمور وقام بضبط الأمن كما قلت بعد ضم حائل إلى أجزاء المملكة، وهذه الوثائق دليل قاطع على الدور الذي قام به هذا المحنك الشجاع دواس، فكان عند حسن ظن القيادة وكفؤ لهذه المسؤولية الكبرى. كريم وشهم وهكذا عاش دواس الدواس -رحمه الله- الكريم الشهم المحسن وتغنت الشعراء بكرمه وسخائه، كعادة الشعراء حينما يعجبون بأي كريم في القديم والحديث، وكتب الأدب العربي الفصيح كثيرة بمديح الشعراء بأهل الجود والكرم، وهنا قصيدة للشاعر فرج بن خربوش الأسلمي الشمري يرثي فيها دواس الدواس، وهي مرثية جيدة ذكر فيها خصال هذا الكريم ومنها هذه الأبيات: البارحة جانا الشباطي نشدناه يذكر لنا ريف المراميل غادي الشايب اللي ما تسدد هواياه ستر المحارم يوم حرب البلادي ريف الضعيف اللي زمانه توطاه لا غر من وبل الحيا كل وادي لصديقه أحلا من لبن كل معطاه ولعدوه أقطع من صقيل الهنادي بجيرة الله يا أبو صالح فقدناه عشيري الجزل الشجاع السدادي نزه الشوارب لا حصل به مداعاه حزم تزحزح زل عن سيل وادي ثم قال: دواس لو إنه بعيد نصيناه ناتيه فوق اللي تكب الشدادي ونعلله بعلوم ما هن غثيثاه علوم أحلا من قراح البرادي مار البلا حطوه عند المقيماه بأيمن بطين الحزم عند المرادي يا الله ياللي عالم بالخفاياه يا منشي غيم ومخضر بوادي ربي عسى دواس تمحي خطاياه وتسقيه من حوض يبل الكبادي في الختام أشكر د. عبدالرحمن الفريح على تزويدي بهذه السيرة العطرة عن جده القيادي دواس الدواس - رحمه الله - التي كشفت عن شخصية من رجال الملك عبدالعزيز المؤسس، فله مني وافر الشكر والتقدير. دواس الدواس حُمدت سيرته في حائل وخارجها قصر دواس الدواس في بلدة السبعان المؤرخ د. عبدالرحمن الفريح خطاب موجّه من الملك سعود إلى دواس