عملتُ في عدد من الجهات الحكومية والخاصة، الكبيرة في أحجامها والأصغر من ذلك، عملت في منظمات لها أهدافها وخططها، وأخرى تبحث عن ذاتها، عملت مع من حصلوا على الدرجات العُليا علماً وعملاً، ومع من هو أدنى، عملت مع من أتى من أسرة ميسورة الحال، ومع من ضاقت بهم السُبل، تعلمت منهم ولا أزال. مما تعلمته، أنه عند تولّيك منصبا ما سيظهر لك مُحبون جُدد ومُريدون، هؤلاء يا صديقي مُحبو ومُريدو الكُرسي، فلا تُعجب بأقوالهم ولا بأجسامهم، فهُم ومحبتهم طبقة عازلة للصوت والصورة، ولكل ما يمتُ للحقيقة بصِلة. تعلمت أن تُكثر من الاستماع وتُقلل من الخُطب - فكثير من الأمور تختفي عندما تزداد الرغبة في إلقاء الخُطب - استمع من وإلى الجميع، واصنع الوقت لهم لفائدتك. تعلمت أهمية التأني في بعض القرارات المهمة والجوهرية، والتي تحتاج إلى قراءة جيدة، وأن العجلة في اتخاذها تكون سلبيتها أعلى مما لو لم يتم اتخاذ القرار فيها. تعلمت منهم، أن عمل الفرد يعتمد على ركيزتين، أولها الصدق والإخلاص قولاً وعملاً مع رئيسك، حتى وإن كان فيه من العيوب ما يسبب مُعاداته، أما الركيزة الثانية، فهي أن تكوناً حامياً ومنافحاً عن مرؤوسيك (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيّته)، مشجعاً للإبداع والمبادرة، مُمكناً لهم لتنفيذ أعمالهم. تعلمت منهم أيضاً أن يكون العمل على تطوير الكفاءات مثلما يكون العمل على تطوير الماديات، فأخطر أنواع الغش على الوطن واقتصاده أن يتم تسويق التطور في الماديات - إن حصل - دون الالتفات إلى تنمية الثروة البشرية الوطنية. تعلمت أيضاً ألا تكذب مهما كانت الظروف، وهذا - بطبيعة الحال - لا يعني تسريب المعلومات الحساسة والسرية، كما تعلمت أنه عند صدور أمر ما فكُن أول من يُطبقه، وابتسم يا صديقي، فغالبية البشر لا يريدون منك إلا بشاشة الوجه وطلاقته، والكلِم الطيب. كما يجب أن تعلم أن مرؤوسيك مُختلفو الغايات والحاجات، فاصغ لهم لإدراكها، ثم اعمل معهم على تحقيقها، وسيؤمنون بك، وبأهدافك وقيادتك. صديقي القارئ لهذه السطور: إن طبيعة العلاقة بين الرئيس والمرؤوس مبنية أساسا على المصالح المشتركة والمتبادلة، ثم تتحول - إن أحسنا العمل سوياً وأخلصا فيه - إلى علاقة ثقة متبادلة بينهما، ثم بعد ذلك تتحول هذه العلاقة إلى الإيمان المُطلق، فالرئيس يؤمن بأن المرؤوس سيقدم أفضل ما لديه، وسيبدع في أداء المهمة، والمرؤوس يؤمن بأن رئيسه يدعمه ويحميه ويُقدر له كل ثانية قضاها في أداء عمله. نقطة آخر السطر.. لا تسعد بالكرسي أبداً، بل اجعله هو من يسعد بك، تمنياتي لك بدوام التوفيق والنجاح.