لسنا وحدنا فالعالم أجمع يشكو من الحرارة المرتفعة لصيف هذا العام، هذا الذي شهدنا فيه من الرياض رطوبة عالية لم نألفها من قبل.. مناخ ساخن نحمد الله أنه لم يشهد ارتفاعاً من الشكوى من ضيق الخلق والتأفف، التي تعود الجميع على حضورها خلال مواسم الصيف السابقة. ما نلاحظه في تعاملنا مع أجوائنا الساخنة أن النفوس هادئة ومستقرة، حتى وإن قام النهار الطويل بانتزاع ساعات كنّا بحاجتها من الليل الذي ننشده أقل حرارة.. ولا ننفي هنا أن هناك فئة المتأففة سريعة الغضب.. تلك التي لا تطيق حراً ولا بشراً ولا تستحمل شمساً.. وأجزم أن كثيرين منهم من مدمني أخبار الفلكيين الذين يتسابقون لكي يؤكدوا لنا أن صيفنا حارق محرق من شدة حرارته.. وظله يشوي الطيور فكيف بشمسه.. لكن ندعو لهم بالهدوء والطمأنينة ونبشرهم أن زمن رحيله قد اقترب! هي أجواء جزء من بيئتنا وتأففنا منها هو نكران للأرض والبيئة والمناخ.. فمثلما لدى آخرين تجمد ينحدر تحت الصفر بأرقام مخيفة.. لدينا مثل ذلك فوق ذلك الصفر، وعلينا أن نردد ما يفعله أسلافنا الذي لم يكن لديهم من مكيفات الدنيا سوى الظل و"مهفة الخوص" "يالله براد الجنة" تعبيراً عن طلب الرحمة من شدة الحر والقيظ الكاتم على الأنفاس.. كانوا لا يعرفون إلا الظل للاحتماء به من الشمس أما اليوم فإن ظلالاً كثيرة نتفيأ بها ولله الحمد والمنة. لكن ماذا عن جيل اليوم الذي لا يعرف إلا المكيف والاسترخاء، ولم يجرب الكد تحت أشعة الشمس اللاهبة، هذا الجيل بات من الطراوة حتى أن أمراض الشتاء تنتقل معه إلى الصيف والعكس صحيح من فرط وهن يعاني منه، ولا تجد منه إلا التأفف وتوقع الويل والثبور، وكأن حرارة الصيف إعلان عن الاستنفار لتوديع العباد قبل مغادرة البلاد. وعليه فنحن جميعاً ممن كتب الله علينا أن نركض في هذا الصيف قد بدأنا تلمس جباهنا لإبعاد بعض قطرات أوجدتها الحرارة، نفعل ذلك وشهرنا الجاري (جولاي) قد لاطفنا ملاطفة جميلة بنسائم لم تقل سخونتها عن الأربعين درجة، ناهيك عن موجات من الرطوبة العالية التي أفسدت حتى مكيفاتنا، ومع ذلك نحمد الله أننا في نعيم فلم يغير الصيف من أشباهنا، ولم يزد جلودنا تشققاً وتيبساً. نحمد الله على كل شيء والأكثر حمداً أنه صيف جعل من مصايفنا عامرة جداً بأهل البلاد امتلأت بها أبها والباحة والطائف وغيرها، لنقول كسعوديين فرحين: مسكين من ليس له أبها أو طائف والباحة.. مسكين وهو في ظل تهديد وباء كورونا إن سافر للخارج ليهرب من لهيب الرياض.. وكآبة الحرارة والرطوبة في جدة والدمام. ويبدو أن كاتب هذه السطور أحد المساكين، وعليه فلا بأس إن تنسم بعضاً من العبير الاصطناعي، وتفيأ ظلال الجدران الساخنة وتغنى بالبرودة الاصطناعية.