تُعرَّف الشعاب المرجانية على أنّها هياكل كبيرة توجد تحت الماء، تتكوّن من هياكل اللافقاريات البحرية المتحوّرة والتي تسمى المرجان، وتتكون هذه الشعاب المرجانية في البحار من إفرازات المرجان الصلب التي تشكل هياكل جيرية ضخمة من كربونات الكالسيوم (الحجر الجيري)، ومع مرور الوقت تظهر هذه الكتل الضخمة تحت سطح الماء ذات لون أبيض تسمى بالشعاب المرجانية وتكون مأوى لكائنات دقيقة أخرى (وهي الطحالب) التي تنمو على تلك الهياكل وتضفي عليها ألواناً زاهية براقة ملونة متباينة منها الوردي والبنفسجي والأزرق والأصفر والأخضر والأحمر. وتقوم تلك الطحالب بتصنيع غذائها بنفسها من الطاقة الشمسية، وللشُعاب التي تعيش على أنسجتها، أي أن الطحالب توفر للشعاب المرجانية معظم غذائها الذي تحتاجه لكي تعيش وتنمو وتزدهر، وبالمقابل توفر الشعاب الغذاء الأساسي والمأوى لتلك الطحالب، ومن الممكن أن تتحول تلك الشعاب المرجانية إلى اللون الأبيض مما يعرضها لفقدان تلك الألوان الزاهية الجذابة، وذلك نتيجة لعوامل كثيرة منه ندرة الطحالب أو حركة السفن الدائمة وبخاصة البواخر العملاقة التي تجوب البحار، أو ارتفاع درجات حرارة البحار والمحيطات بمعدل لا تطيقه وتتحمله تلك الشعاب المرجانية، الأمر الذي يؤدي إلى ابيضاضها وانحسار تلك الألوان منها، ومن المعروف أن تلك الشعاب المرجانية تعتبر مأوى للأسماك التي توفر مصدر رزق لملايين البشر، ولكثير من الأنشطة السياحية التي تجذب لها الكثير من السياح المهتمين بالتصوير والأبحاث العلمية ومن هواة الغوص المغرمين بمشاهدة تلك الشعاب المرجانية الخلابة في تلك العوالم الجميلة الساحرة تحت الأعماق. والملاحة البحرية قد تكون سبباً في التأثير على نمو وبقاء تلك الشعب المرجانية بسبب اصطدام السفن والعبارات وتحطمها وغرقها، كما أن البحر الأحمر يعتبر من أهم الطرق الملاحية بين قارات العالم فهو بعد حفر قناة السويس وتوسعتها الحديثة يصل بسهولة بين المحيط الهندي والمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط. ولقد أدى ازدهار الشعاب المرجانية والأحياء البحرية في البحر الأحمر ورونقها الخلاب إلى انتشار رياضة الغوص ومشاهدة تلك الشعاب المرجانية التي تُعد كواحات في البحار والمحيطات، وقد لا يخلو ذلك من إساءة لتلك الشعاب في تكسير المرجان عند استخدام الشعاب المرجانية كمرسى للمراكب الصغيرة والمغالاة من قبل بعض الهواة في جمع المرجان والأصداف البحرية التي ندر وجودها لاستخدامها في الحُليّ والزينة، ولحماية تلك الشعاب المرجانية في البحر الأحمر تم إنشاء المناطق المحمية مثل تلك التي أقيمت في شرم الشيخ ورأس محمد في الشاطئ المصري، وكذلك بالقرب من منطقة عسير في الشاطئ السعودي، وتهدف هذه المحميات إلى حماية تلك الشعاب المرجانية من التدهور أو الانقراض والعمل على نموها وتكاثرها وازدهارها وعدم تكسير المرجان وجمعه إلا لغرض الدراسات والأبحاث العلمية، وعدم إفساد البيئة البحرية التي توجد بها تلك الشعاب المرجانية عن طريق التلوث البيئي بالمخلفات الصناعية والبشرية أو التلوث البترولي أو المواد البلاستيكية، ومحاولة الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري التي قد تؤدي إلى ابيضاض وموت الشعاب المرجانية في البحر الأحمر. وهناك تخوُّف من تعرض بعض الشعاب المرجانية في البحر الأحمر -والتي تتكاثر عن طريق "التفريخ"- لخطر الانقراض، بسبب تغيُّر المناخ، والضغوط البشرية، وعمليات التجريف المستمرة للشواطئ. ويُعد تفريخ المرجان إحدى أكثر الطرق غرابةً للتكاثر بين المخلوقات الحية، ففي وقت معين وفي غضون زمن وجيز يُطلق المرجان ملايين البويضات والحيوانات المنوية في مياه البحر، لتندمج معًا مُشكِّلةً أجنةً تنساق مع التيارات الساخنة لمسافات طويلة مُكونةً شعابًا ومستعمرات في مناطق أخرى. ولقد كشف باحثون متخصصون من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية عن طرائق جديدة لتحسين واقع الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، حيث إن ما حدث في أنحاء عديدة من العالم إثر تغير المناخ وموجات الحرارة العالية لمياه السواحل على الشعاب المرجانية بالمملكة ألحق أضرارًا واسعة بالشعاب المرجانية في الخليج العربي وجنوب البحر الأحمر في السنوات الأخيرة، مما يستلزم القيام بعملية استزراع لتلك الشعاب المرجانية المتضررة وإعادة بنائها عن طريق البحث عن استراتيجيات جديدة ومبتكرة لاستعادة انتشار الشعاب المرجانية، التي تم القضاء عليها خلال موجات الحرارة العالية وحركات السفن الدائمة، وعن العائد من وراء ذلك كشفت هذه النتائج إلى إمكانية زيادة جهود استعادة الشعاب المرجانية وإنتاجها بقدر أكبر يضمن مجابهة وتحمل الظروف البيئية ذات الحرارة العالية، كذلك أبان الفريق العلمي أن شمال البحر الأحمر يعتبر بمثابة ملاذ عالمي للشعاب المرجانية يستحق الاهتمام والحماية. ومن الجدير بالذكر أن المملكة تتبنى حالياً مشروعات سياحية بيئية كبيرة في أماكن ساحلية تتميز بالبيئات البحرية الفريدة في البحر الأحمر ضمن "رؤية 2030"، حيث ينطلق ذلك من اهتمام المملكة نحو جذب وتنشيط السياحة من داخل المملكة ومن خارجها على حد سواء، وحيث إن مشروع "البحر الأحمر" يشكل تجسيدًا عمليًا لأحد محاور تلك الرؤية الطموحة فسيصبح بلا شك وجْهة رائدة لسياحة الاستجمام والأنشطة الرياضية المختلفة، وسيتيح استكشاف طبيعة المملكة من جزر وسواحل وبراكين هامدة وآثار تاريخية تليدة ليصبح بوابة البحر الأحمر أمام العالم، ويتم تطويره وفقًا لأعلى المعايير السياحية العالمية التي تتمثل في أهم عوامل الجذب، وهما الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تحظى به المملكة بفضل الله، إلى جانب أن الاستثمار في هذا القطاع يحقق عائدًا اقتصادياً مجزيًا، مما يشجع المستثمرين الأجانب ويجذبهم لزيادة الاستثمارات في الاقتصاد السعودي. إذن يجب علينا أن ننظر بشيء من الجدية والعناية والاهتمام لشعابنا المرجانية في سواحل مملكتنا العزيزة، وحمايتها ضد المخاطر المحتملة الناجمة من تلوث مياه البحار بالملوثات الصناعية والنفطية والمدنية ومياه الصرف الصحي والصيد الجائر، والمشكلات الناتجة عن إنشاء مبان ومنشآت ساحلية من شأنها أن تكون ذات خطورة شديدة على تلك البيئات المرجانية المميزة، التي هي بمثابة ثروة وطنية يجب العناية بها والحفاظ عليها، من خلال بث التوعية ونشر التعليمات وسن القوانين المنظمة لصيانتها وسلامتها وبقائها، إذ من المعروف أن الشعاب المرجانية في البحر الحمر تعتبر من أكبر البيئات المرجانية في العالم حجمًا، وأبهاها جمالاً وأكثرها جذباً، لذا لا شك أن الهيئة السعودية للسياحة لدينا حريصة لأن تجعل من تلك البيئات الفريدة وجْهات سياحية داخلية وخارجية. * الأستاذ بجامعة الملك سعود