انتقلت الصراعات والانشقاقات الداخلية إلى بنية «المجلس السياسي الأعلى» للانقلاب المدعوم من إيران، إذ تصاعدت حدة الصراع بين مهدي المشاط -الرئيس الصُوري لمجلس الانقلاب-، ومحمد علي الحوثي -رئيس ما تسمى باللجنة الثورية الحوثية العليا، والعضو الأكثر تأثيراً داخل «المجلس السياسي»، والمنافس الأبرز لزعيم الميليشيا من داخل أسرة الحوثي-. وينخرط في الصراع المحتدم في دوائر القيادة العليا للميليشيات، قيادي آخر يدعى أحمد حامد ويتقلد مدير مكتب رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى للانقلاب، ويشكل شخصية حوثية نافذة وقوية داخل صنعاء، وتعتبره تقارير دولية الشخص الأكبر نفوذًا داخل ميليشيات الحوثي من غير المنحدرين من الأسرة الحوثية، فيما وصفه تقرير لمركز أبحاث دولي برئيس مهدي المشاط والمتحكم الفعلي بقراره. وبلغت الصراعات والخلافات ذروتها بحيث لم يعد بإمكان الميليشيا التستر عليها، لتنتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التابعة لها، وسط تبادل الاتهامات بين القيادات والزعامات الحوثية في صنعاء بالخيانة والفساد والتآمر. ورغم أن ميليشيات الحوثي جماعة أيديولوجية متطرفة تعتمد السرية المطلقة، وتجرم إظهار الخلافات والصراعات الداخلية، وتمنع النقد والشكاوى العلنية وأمام الإعلام، إلا أن مستوى الصراع المتصاعد بين قيادات الأجنحة بداخلها بلغ إلى حيث لم يعد بإمكانها السيطرة عليه، إذ خرج القيادي النافذ أحمد حامد يشكو من تعرضه لحملات تشويه ممنهجة ترافقها حملة استهداف واقعية. مؤمن وآخر منافق في أحدث سلسلة تغريدات نشرها في صفحته الرسمية بتويتر، صنّف حامد الميليشيا إلى صنفين، الأول: يتبع الجناح الذي يمثله داخل الجماعة، وأطلق عليه اسم «جناح المؤمنين»، وجناح آخر سماهم «المنافقين والأعداء»، في إشارة إلى الفصيل الذي يتصارع معه، ويقصد به جناح محمد علي الحوثي وغيره من القيادات النافذة التي تتنافس معه على القطاعات الإدارية والمؤسسات المالية الواقعة تحت احتلال الميليشيات. وقال: «إن المنافقين والمرجفين يسعون بكل جهد لأن يصنعوا في الساحة نسخاً من نوعيتهم، لتتسع دائرة نفاقهم، وينطلي على البسطاء خداعهم لضرب الجماعة من الداخل»، مشيراً إلى أن «المنافقين -ويقصد بهم خصومه داخل الميليشيات وعلى رأسهم محمد علي الحوثي- ينزعجون من أي كتابة تفضحهم، حتى لا يظهروا إلى السطح فينكشف خداعهم وتضليلهم ومؤامراتهم». وفي إشارة منه إلى الحملات التي يتعرض لها من قبل جناح محمد الحوثي، قال حامد: «إنهم يمارسون الإرهاب الإعلامي كي يُخيفوا أشخاصاً، ويحيّدوا آخرين، وتخلوا الساحة لهم ولنفاقهم وتضليلهم». مؤتمري ل«الرياض»: تصاعد نفوذ محمد الحوثي يقلق زعيم الانقلابيين الضرب من الداخل وحذر القيادي الحوثي مما وصفه ب»مخطط يشتغل عليه العدو لإثارة المجتمع ضد الجماعة وينجر إليه من وصفهم «قاصري الوعي»، مشيراً إلى أن اتهاماته لخصومه داخل الجماعة تهدف لتحصين أتباعها وليس لإثارتهم، مؤكداً أن الجماعة تتعرض للضرب والتفكيك من خلال الحملات التي يتعرض لها من قبل من وصفهم بالمنافقين والمرجفين بداخلها. ودخل فضل أبو طالب -عضو المكتب السياسي للميليشيا- على خط الصراع، متهماً من وصفهم ب»دولة صالح العميقة» بالوقوف خلف الهجمات المسعورة ضد أحمد حامد الذي يقف في مواجهة هوامير الفساد، ومازال يخوض المعركة ضدهم بكل قوة»، وتوعد قائلاً: «سنقف بكل وضوح وقوة إلى جانب حامد، ولن تنطلي عليهم حبال الفاسدين»، في إشارة إلى جناح محمد الحوثي ومن يسانده داخل الميليشيا. ويُتهم حامد من قبل جناح محمد الحوثي باستغلال انشغال قيادة الجماعة بالمعارك الدائرة في مأرب والبيضاء من خلال ممارسة ضغوط على مهدي المشاط، وإصدار سلسلة قرارات تعيين لشخصيات مقربة منه في عدد من المؤسسات المالية والإدارية، أبرزها مؤسسة الهيئة العامة للبريد، في حين يحاول نفي تلك الاتهامات برمي تُهم مماثلة يتهم من خلالها منافسيه داخل الميليشيات بالخيانة والتآمر والنفاق. وتقول مصادر إعلامية في صنعاء: إن محمد الحوثي يتهم أحمد حامد الوقوف خلف حمود عباد المُعين من قبل قيادة الميليشيا أميناً عاماً للعاصمة المحتلةصنعاء، ويصفه بأحد أذرعه التي يستخدمها لإضعاف نفوذه، وفي الوقت نفسه لتقوية نفوذ رئيس المجلس السياسي مهدي المشاط، ومدير مكتبه حامد، وفي المقابل شن القيادي وعضو الفريق الحوثي المفاوض عبدالملك العجري هجوماً حاداً انتقد من خلاله قرارات حمود عباد المقرب من حامد. صراع أولاد العم شكل آخر من الصراع ينتمي طرفاه إلى أسرة الحوثي، إذ وجّه عبدالمجيد الحوثي المُعين من قبل زعيم الميليشيات رئيساً للأوقاف، ويتمتع بنفوذ في صنعاء، اتهامات لمحمد علي الحوثي بالسيطرة على أصول تابعة للأوقاف بقيمة تصل إلى أكثر من 200 مليار دولار في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت احتلال الميليشيا، وتوعد بأنه سيعمل من أجل استعادتها، في حين تقول مصادر إعلامية إنه أبدا استعداده للقيادي أحمد حامد من أجل مساندته في إضعاف نفوذ محمد الحوثي. وبالتزامن مع تصاعد وتيرة الصراع بين الفصائل الحوثية على الأموال والمنافذ المالية والعائدات، أعلنت قيادة الميليشيات وبشكل غامض وفاة وكيل جهاز المخابرات والأمن التابع لها عبدالسلام المحطوري، وسط شكوك تتحدث عن تصفيته في سياق النزاع على المؤسسات المالية والإيرادات كونه كان الوكيل المختص في جهاز المخابرات بالسيطرة على القطاعات المالية والشركات والإيرادات. التمزيق الداخلي وتقول قيادات محسوبة على الجناح التربوي في الجماعة: إن الصراع المحتدم بين أجنحة القيادة المتخاصمة في صنعاء يهدد الوحدة التنظيمية والعسكرية، ويدفع الميليشيا إلى حد التمزيق والانهيار. ويعكس الصراع القائم بين أجنحة محمد الحوثي، وأحمد حامد، وعبدالمجيد الحوثي، صورة أوسع عن نزاع الأجنحة المتعددة داخل بنية الميليشيات، إذ يشعر كل جناح أنه مستهدف من الآخر، بينما تحاول قيادة كل جناح المبالغة في إظهار الولاء لزعيم الجماعة وللإيرانيين كنوع من الحماية التي تتيح لها بناء شبكات مالية واقتصادية وأمنية موازية وقائمة على الاحتكار. ويتركز الصراع بدرجة أساسية بين فصيلين رئيسين داخل في البنية التنظيمية والأيديولوجية والأمنية للميليشيات، الأول: «جناح صعدة» ويُعد صاحب النفوذ الأقوى عسكرياً وأمنياً، يقابله «جناح صنعاء» وهو الأكثر انتشاراً وتغلغلاً في مفاصل وهياكل ودوائر مؤسسات الدولة المحتلة في العاصمة صنعاء، كما يملك شبكة علاقات مالية وإدارية وسياسية وأمنية واسعة بحكم تمتع قيادته بعلاقات مع نظام صالح سابقاً، إضافة إلى تغلغلهم في دوائر وهياكل السلطة والمعارضة خلال الأربعة العقود الماضية. على أن الصراع الدائر بين جناحي صعدة، وصنعاء، لم يمنع حدوث نزاعات فرعية بقدر ما غذى وساهم في نشوء صراعات وخلافات بينية متعددة الدوافع والأوجه، وتشكلت عدة أجنحة فرعية متصارعة داخل الجناحين الرئيسين، وكل جناح يلهث من ناحيته خلف الاستحواذ على الشركات النفطية والسوق السوداء والهيمنة على إيرادات الزكاة والجبايات، واستغلال أموال المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات والوكالات الدولية والأممية. منظمة عائلية وفي تقرير أممي سابق، وصف فريق خبراء مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن ميليشيات الحوثي الإرهابية قائلاً: إنّ «جماعة الحوثي في جوهرها منظمة عائلية»، كونها ترتكز على الولاء الكامل للعائلة، ومبنية على اعتبارات سُلالية وعرقية قائمة على كراهية للأكثرية اليمنية المطلقة، وتؤمن باستحالة حصولها على ثقة الشعب اليمني، ورغم قيامها على أساس عرقي لم تنجح في تحصين نفسها من الصراعات الداخلية التي تزداد حدة على مستوى الأسرة». في حديثه ل»الرياض» يقول قيادي في حزب المؤتمر، طلب عدم الإفصاح عن اسمه بسبب وجوده في صنعاءالمحتلة: «إن توسع دائرة الأجنحة المتصارعة، وزيادة حدة الصراع المتصاعد على قرار الميليشيات، والتنافس على الأموال، والاندفاع الهستيري للاستحواذ على الإيرادات الضخمة، وغيرها من العوامل، رسخت الصراع أكثر وساهمت في تطويره بشكل لافت ليصل إلى الدائرة الأسرية الضيقة التي تحيط بزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي». بديل يتهيأ وأوضح أن محمد علي الحوثي يهيئ نفسه بديلاً لزعيم الميليشيات، مشيراً إلى أن غياب الأخير واختباءه في كهوف صعدة، بالتزامن مع وجود محمد الحوثي في العاصمة المحتلةصنعاء، وقدرته على التنقل والحركة وبناء شبكة علاقات سياسية وأمنية وعسكرية ومالية وإدارية وقبلية، شجّعه على بناء جناح مؤثر يتبعه شخصياً، ومنفصل عن الهيكلة التنظيمية والقيادية التي يتزعمها عبدالملك بدرالدين، الأمر الذي أثار لديه مخاوف جدية على قيادته. ويرغب زعيم الميليشيات في التخلص من النفوذ الصاعد لمحمد الحوثي، لكنه يخشى من تبعات أي خطوة مباشرة في هذا الاتجاه، وخوفاً من تبعاتها على قيادته داخل الأسرة التي تقوم بنية الميليشيات على صيغة تقاسم للنفوذ والقوة والقرار بين عدد من الأشخاص وأولاد العم داخل الأسرة نفسها، وأبرزهم إلى جانب عبدالملك بدرالدين، هو محمد الحوثي الشخصية القوية في إطار العائلة والأكثر نفوذًا على مستوى الميليشيات. مخطط إضعاف وفي حديث القيادي المؤتمري، الذي كان واحداً من زعماء حزب صالح الذين دعموا الانقلاب في 2014، وممن عملوا عن قرب مع قيادة الانقلابيين قبل أن ينعزل لاحقاً ويعود للاعتكاف بمنزله في صنعاء، كشف أن زعيم الجماعة يوفّر ظهراً للقيادي أحمد حامد ويدعمه بشكل غير مباشر، ويمنع إقالته من موقعه كمدير لمكتب رئيس المجلس السياسي الأعلى للميليشيات، رغم أنه ليس من أسرة الحوثي، مشيراً إلى أن عبدالملك بدرالدين وبسبب عدم قدرته على التخلص من ابن عمه محمد علي الحوثي لجأ إلى استخدام أساليب لإضعاف نفوذه من خلال تقوية نفوذ منافسيه ومن بينهم حامد ومهدي المشاط، وعبدالسلام محمد الناطق الرسمي باسم الميليشيات. وفي أحدث تقرير لفريق خبراء لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي، أوضح التقرير أن الصراعات والانشقاقات الداخلية في تصاعد مستمر على مستوى الصف الأول والأسرة الحوثية، وأكد أن قيادة عبدالملك الحوثي تواجه تهديداً رئيساً من داخل الجماعة نفسها، وأشار في هذا السياق إلى أن القيادي النافذ محمد الحوثي، أنشأ جهازاً هيكلياً فاعلاً وموازياً للمؤسسات الحوثية، ويتحرك من خلالها في بناء نفوذ قوي خاص به، وأصبح يُعد التهديد الأبرز لزعيم الجماعة في قيادة الحركة. وقال تقرير خبراء مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن «إن خلف قشرة الوحدة، يتنافس أولئك الموجودون في القيادة الحوثية العليا لإثراء أنفسهم من موارد الدولة المحدودة»، مضيفاً أن هناك عدداً من القادة البارزين يتصارعون فيما بينهم على النفوذ والأموال، وأسسوا هياكل أمنية واستخباراتية منفصلة عن قيادة الحركة، مضيفاً أن «محمد الحوثي وأحمد حامد وعبدالكريم الحوثي قاموا ببناء قواعد قوة متنافسة، مؤمَّنة بواسطة هياكل أمنية منفصلة». عبدالسلام المحطوري تمت تصفيته في ظروف غامضة