إن الرجاء بحصول ما قد يستبعده الإنسان، وخلق مسارات تعكس الخطط الذهنية وقوة الإرادة غاية المرء وطموحه، ويناقض بذلك علاقته الدائمة مع الاكتئاب والفراغ المستبد الممزق للمادة المدركة الواعية في العقل الإنساني، ويبدأ الصراع المراوغ بين الأمل واليأس، ذلك الصراع الحقيقي الذي يستنزف طاقات اجتماعية على الصعيد العام، ويشكل تحدياً لإدراك الوعي على مستوى الأفراد، قد يخاطب أحدهم ذاته بوهن قائلاً (ما ستأتي به الأيام سيكون خيراً كله)، وهذا بحد ذاته موقف عقلي وحالة نفسية مزاجية -خير كله– دلالة مراوغة لحقيقة الحياة الإنسانية بما فيها من عوارض الأيام. (أعلل النفس بالآمال أرقبها / ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل) إنها أيديولوجية خلاصية للأمل العظيم، ذاك المخدر للحالة العقلية للإنسان الذي تساعده على تجاوز أقوى الأزمات وأشدها، وفي الوقت ذاته لغم ينتج الدمار بمجرد تعثر الخطى بمواطئها، والخوف كله من الآمال الكاذبة، فلو فرضنا انتفاء الأمل من حياة الإنسان لساعة من الزمن هل سيرغب بالحياة ؟؟ وهل انعدام الأمل عامل إبداع وتحرر للذات ؟ أو كما قال سعيد ناشيد في تساؤلاته المحيرة (ألسنا نحتاج اإلى آمال أقلّ.. آمال أصغر.. آمال بلا أمل)؟؟ ويُقابل السؤال بآخر، ويُعمل في أذهاننا ذاك العمق الفلسفي للأمل بخيباته ويقينه، فهل الأمل يمثل خطراً على الحرية؟ إن الأمل مبدأ في الحياة، ليس أملاً زائفاً وأحلاماً واهية، وإنما أمل يرتبط بالعقل والفعل والقابلية للتحقق، وهذا ما يؤكده فيلسوف الأمل أرنست بلوخ بقوله: «إن الرغبات المتلائمة مع الواقع يمكن أن تكون قوة للإرادة التي تتوفر لها وسائل التنفيذ، فلا وجود لإرادة غير مسبوقة برغبة قابلة للتنفيذ» فهو حجر النرد للواقع يتأثر بالأيديولوجيات والفلسفات والاتجاهات الفكرية التي تؤمن بها المجتمعات لتشكيل آمالها، وقد تكون أخطر الآمال الجماعية الآمال المستحيلة المغرية للفاعلية والسلوك. وعثرات الأمل في خيباته، حيث يعيش الإنسان الفرق بين ما يأمله ويطلبه، وبين ما تحقق على أرض الواقع، وهذا ما يوضحه كيركغارد في اعتقاده بأن اليأس هو الشرط الأساسي للوعي، لأن الشعور بانعدام الأمل عامل إبداع وتحرر للذات، فاليأس يحررنا من جحيم الانتظار المدجج بالأوهام والأهواء، فهو بمثابة الاستشفاء السيكولوجي الذي يدفع الإنسان إلى الإقرار بواقعه الحاضر واللحظة المباشرة، وهذا ما جعل إسبينوزا يُعّد الأمل ضمن الأهواء الحزينة، وفي قول نيتشه «كان اليونانيون يعتبرون الأمل شر الشرور، الشر الأكثر مكراً وخداعاً، فالشر هو ما تبقى في قاع الجرة (يقصد صندوق باندورا في الأسطورة )». ولا بد لنا من الوقوف ولو بشكل مختصر على مبحث (جدل الخيبة والأمل في تاريخ الفلسفة) لسعيد ناشيد في كتابه (الوجود والعزاء)، حيث أشار إلى قضية مهمة في الوقت المعاصر بقوله «يتمثل الرهان الأساسي لفلاسفة العيش اليوم في تحقيق ثلاثة مبادئ مترابطة: العيش بلا خوف، العيش بلا آمل، والعيش بلا حنين». فالخوف يذلّ الإنسان ويعطّل قدرته على التفكير، بينما الأمل والحنين يهدد قدرة الإنسان على النمو والتطور، وكلاهما ليس له وجود فعلي إلا في العقل، سواء عن طريق التذكر أو استشراف المستقبل، إجمالاً لقوله «إن الاعتراف بالحقيقة وعدم إنكار الواقع، معطيان أساسيان لأجل العمل على تحسن القدرة على الحياة «، ومهارة العيش مع خيبة الأمل، وتتنزل رحمات الله تعالى على عباده بحثهم على عدم القنوط والحذر منه: «ولا تيأسوا من روح الله» قدرة خفية إيمانية تعطينا إحساساً بالامتداد والخروج من الدائرة الضيقة نحو سعة الفكر والتأمل بالعيش. فالأمل يحيا بحياة الإنسان على الأرض، نحاذر من الإغراق فيه، فغالباً ما تنبع التعاسات من رحم آمال عظيمة (كم من مؤمل شيء ليس يدركه / والمرء يزري به في دهره الأمل). سعيد ناشيد باروخ سينورا سورين كيركغارد أرنست بلوخ