«ليست هناك إجابة خاطئة بل هناك سؤال خطأ»، بهذا القول يؤسس المناطقة لمنظومة الجدل وتوليد الاستفهامات حول حركة الكون وانتقاله من الوجود إلى العدم، وتسهم الفلسفة في إخضاع كل ظاهرة للفحص والتحليل والبحث والتنقيب عن المنطلق الأول والباعث الأصلي للحالة الفردية قبل أن تتحول إلى ظواهر. ولم يصل الفلاسفة منذ القرن الرابع قبل ميلاد المسيح عليه السلام إلى نتيجة نهائية يحددون بها مصدر الشرور في الكون، فبعضهم أرجعها للطبيعة، وبعض ينسبها للإنسان، وهناك من يضيفها لقوى خفية. وتظل متعة الفيلسوف مناطة بإجادة طرح (السؤال) المتوالد بأسئلة لا حصر لها، كونها أبلغ وأكثر دهشة من إجابات تحجر على العقل، وتحد من سعيه الحثيث نحو البحث عن مظان اللذة والخير والجمال، عبر المنطق والاستدلال العقلي، ومن خلال العاطفة أو الرغبة والميل لتحقيق السعادة التي هي نسبية في الفلسفة. وفي زمن الأوبئة والجوائح يحضر سؤال الشر مجدداً؛ (الشر الطبيعي، الشر الميتافيزيقي، الشر الأخلاقي، الشر السياسي)، ويثور الجدل بين الفلاسفة حول الشرّ الجذري في الطبيعة الإنسانية، وصراع الخير مع الشر الذي يجتهد في إلحاق الضرر بالغير، وهل الإنسان يحمل في ذاته ميلا للأفعال اللاأخلاقية؟ ويعجبه أن يؤذي غيره؟ وما سبب ذلك وما علاقته بالحياة؟ أسئلة تعزز ضرورة تبني الدولة القانون الأخلاقي، لبلوغ حالة مدنية قوامها السلوك الإنساني السوي الذي يتحمل مسؤولية أفعاله التي تتعارض مع القانون. ويرى (نيتشه) أن الإنسان يستشعر قيمة الحياة عندما يشعر بالخطر فيزداد تمسكه بالحياة، ولذا قال «أنا أعرف الحياة معرفة جيدة لأني كنتُ على وشك فقدانها». وبحكم معاناته من المرض عدّه أول طريق الهداية لعشق الحياة والتغني بها والاستمتاع بكل يوم إضافي على مستوى العقل والروح والبدن، وكانت الفكرة مصدر تجدد لنشاطه ووصف ذلك بقوله «تذوقاً جديداً» فواجه خطر الفناء بشيفرة البقاء متمثلة في استنطاق الكون والأحداث والبشر. ويؤكد المفكر المغربي سعيد ناشيد ل«عكاظ»، أن الفلسفة تنمية لقدرات العيش في مأوانا المؤقت، موضحاً أن الفلسفة لا تغير الحياة ولا تمنع وقوع الأحداث، ولا تعجل بقيام الجنة على الأرض، إلا أنها تحاول تقديم فهم للأحداث. وكشف ناشيد تناول الفلاسفة للكوارث عبر أسئلة معمقة، مستعيداً كارثة زلزال لشبونة عام 1755، وأثرها الكبير على فلاسفة التنوير، مشيراً إلى أنها فتحت أبواب نقاش كبير حول مصدر الشر، وهل الشر موجود في الطبيعة أم أنه مجرد تأويل بشري؟ مؤكداً أنها كارثة أسهمت في انتشار النزعة الربوبية لدى فلاسفة الأنوار، باعتبارها وجهة نظر جديدة وجذرية في مسألة العناية الإلهية. وعدّ ناشيد وباء كورونا كارثة كونية بكل المقاييس. وقال «اضطر الرئيس الأمريكي إلى إعلان تصنيفها باعتبارها كارثة وطنية وسابقة أولى من نوعها في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية»، وأضاف: لم يسبق في التاريخ أن فرض الحجر الصحي على نصف سكان الأرض. ويذهب إلى أنها شأن سائر الكوارث في التاريخ لها ما بعدها، في تغيير كثير من المعطيات في العلاقات الدولية، والوظائف الاجتماعية للدولة، وإستراتيجية العمل عن بعد، ووحدة النوع البشري، وتقدم الثورة الجينية في مستويات القضاء الوراثي على الأمراض، وفرض الفلسفة العملية لتنمية القدرة عل الحياة في ظروف غير آمنة. ويؤكد الناقد الدكتور أحمد السعدي، أن الفلسفة الغربية تعنى بتوثيق أزمنة الأوبئة والكوارث وآثارها بدءا من عرض المفاهيم وتصنيف الأنواع وتحديد الوسائط التي تعبر بواسطتها، وانتهاء بذكر بعض من الأحداث التاريخية الوبائية القديمة، محللا أسبابها ومفسرا نتائجها. وأشار إلى توثيق حادثة الطاعون التي اجتاحت أوروبا عام 1450، وكيف نجح الشمال الإيطالي في الحد من انتشارها والتقليل من خسائرها، بالتحكم في حركة البشر وانتقالاتهم، وفرض الحجر الصحي، والدفن الإجباري للموتى، والتخلص من متعلقاتهم الشخصية، وعزل المرضى في مستشفيات خاصة، وفرض ضرائب محلية لتقديم خدمات صحية، وتقديم المعونة للمتضررين من الوباء أو من تلك الإجراءات. ولفت إلى ميل الفلاسفة للعزلة بطبعهم وتحاشيهم الأماكن الصاخبة ما يعني توفير فرص للتأمل وطرح الأفكار في ظل القلق مما يلحق بالناس كون الفيلسوف فردا في مجتمع.