كلما توغلت في القراءة عن مدينة حائل ومحافظتها تشعر بالاشتياق إليها، فإلى جانب طبيعتها وجمال إشراقة صبحها، إلى هدوء وانسيابية ليلها، ناهيك عن نضارة مزارعها، وروعة شطآنها، فهي منبت الكرم والأصالة والشهامة والشموخ. وإذا كانت محافظات تلك المدينة عامرة بآثارها وكنوزها فإن محافظة بقعاء فيها من الآثار التي يسجلها التاريخ وفيها من القصص التي تستحق أن تروى. قصة اليوم عن قصر (بريك راعي بقعاء) أو ما يسمى ب(قصر الحصن) والذي يعود لبريك بن جابر الأسعدي العتيبي راعي بقعاء، ويعود تاريخه لعام 1050ه. ولأن لهذا القصر وصاحبه بريك راعي بقعاء مواقف لا تنسى لذا فإن أهالي محافظة بقعاء ينتظرون أن تقوم هيئة السياحة والآثار بتسجيله فيها ليصبح رافداً من روافد السياحة في حائل، ومعلماً ثقافياً وسياحياً أيضاً في ربوع مملكتنا الغالية. علماً أنه تم ترميمه عندما كان سعود القبلان رئيساً لبلدية بقعاء وبمساعدة الأستاذ محمد بن حمود الزبيد وجهود حثيثة من قبل الأستاذ حسين بن نايف بن فهد العبيد والذي حرص على طرح فكرة ترميم القصر كونه معلماً تاريخياً عريقاً وكان ذلك عام 1430 ه، ومن ذلك الوقت وحتى الآن تم نسيان القصر تماما ولم تسجله هيئة الآثار وهو المطلب الذي يتمناه أهالي محافظة بقعاء ليصبح أحد الأماكن التراثية الموثقة في سجلات هيئة السياحة والآثار دعماً للسياحة الداخلية والتي لاقت اهتماماً بالغاً من قبل حكومتنا الرشيدة سدد الله على الحق والخير خطاها. ويقع قصر بريك راعي بقعاءجنوب محافظة بقعاء (اللويمي) في مكان مرتفع، وهذا من عادات كرماء العرب حيث إن السكن في مكان مرتفع يمكن الضيوف وعابري السبيل من رؤية القصر من مكان بعيد فيأتون ويكرّمون وكان ديدن العرب في ذلك الوقت أن يسأل المضيف الضيف عن نفسه ولكن بريك راعي بقعاء خالف ذلك، بأن يقوم بإكرام الضيف أولا قبل أن يسأله عن حاجته. لقد تم بناء قصر بريك راعي بقعاء بنفس موقع قصره - رحمه الله - وهو معلم بارز في المحافظة وقد تم تشييده عام 1050ه تقريباً. وهو قصر قديم والآن تم ترميمه بطراز معماري رائع يشكل نقلة حضارية لبقعاء ويوجد في نفس الموقع من جهة الشمال (قصر نهيت) ومن جهة الغرب الجنوبية (برج المرقب) الذي قام ببنائه بريك - رحمه الله -، ومن جهة الشمال يوجد (برج البعيثة) والذي يقع بسويفلة البعيثة ببقعاء، كما أنه يتميز بأنه يشرف على قاع الملح في بقعاء بعد أن كادت تندثر معالمه وصاحب القصر هو الشاعر بريك بن محمد (عنيفص) بن حرب بن جابر بن محمد الأسعدي العتيبي المعروف والمشهور ب (بريك راعي بقعاء) وكذلك لقب ب(بيطار الأشعار) فبالإضافة إلى كرمه كان شاعراً لايشق له غبار فقد قال قصائد كثيرة من أبرزها رثاءه لأخيه خميس (الخضاع) والذي كان يتميز بالشجاعة والإقدام وكان الساعد الأيمن لأخيه بريك، وقد ارتبط اسم بريك ببقعاء نسبة إلى قريته بقعاء الواقعة إلى الشمال الشرقي عن مدينة حائل. ولعل أشهر الحوادث التي مرت بالشاعر هي استضافته لقبيلة ظفير في فترة الصيف وذلك عندما نزل الشيخ فيصل بن شهيل بن سلامة بن مرشد آل سويط على بريك مدة ثلاثة أشهر وكان بريك سعيدا بهذه الجيرة الكريمة وفي أحد الأيام جفّت مزرعة بريك ودمرت بسبب كثرة إبل الظفير التي قيل عددها يفوق العشرين ألفا، فلما علم ابن سويط بما حصل لجاره قال لبريك ماذا تريد منا جزاء ما حصل لمزرعتك؟ فرفض بريك قبول أي تعويض. وبعد مرور أشهر الصيف علم ابن سويط أن ديار الظفير قد ربعت فأمر قومه بالاستعداد للرحيل، وأمر كل واحد منهم أن يعقل ناقة كهدية لبريك الأسعدي، وذلك دون أن يعلموه بالرحيل، ويقال إن فيصل أهدى لبريك اثنتي عشرة ناقة، وكل بيت ظفيري أهدى لجاره من أهل بقعا ناقتين فلما رحل الظفيري قال الشيخ فيصل السويط لأحد أقارب بريك «سلم على بريك وقل له هذه الإبل هدية له من الظفير جزاء حسن ضيافته له» فلما أتى الصباح وجد بريك هذه الإبل الكثيرة وسأل عنها فأخبر بأنها هدية له من الظفير فشكر لهم صنيعهم وتأسف على رحيلهم.