وافق مجلس الوزراء السعودي في جلسته المنعقدة يوم الثلاثاء الماضي على قيام معالي وزير المالية بإصدار الترخيص اللازم لكل من بنك (إس تي سي) -تحت التأسيس- والبنك السعودي الرقمي -تحت التأسيس- وفقاً للمادة (الثالثة) من نظام مراقبة البنوك الصادر بالمرسوم الملكي رقم ( م / 5 ) وتاريخ 22 / 2 / 1386. وقد أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) في وقتٍ سابق من شهر يونيو الجاري عن عزمه القيام بالرفع للجهات العليا المعنية حسب النظام لطلب الموافقة على الترخيص لتأسيس وتشغيل بنكين رقميين محليين في السعودية لممارسة الأعمال المصرفية في المملكة. سألني صديق وأنا أجهز لكتابة هذا المقال عن أوجه الفرق والتشابه بين البنوك التقليدية والبنوك الرقمية، وعن دواعي توجه "ساما" للرفع بالموافقة على ترخيص لإنشاء بنكين محليين لممارسة وتقديم خدمات ومنتجات مصرفية رقيمة في ظل وجود بنوك ومصارف في المملكة تقدم حالياً خدماتها بخليط من الأسلوب المصرفي التقليدي والرقمي المتطور. الفرق الجوهري بين البنوك الرقمية والأخرى التقليدية، هو أن الأولى تَعتمد بشكلٍ كبير جداً في تقديمها لخدماتها المصرفية لعملائها على التقنية المرتبطة بالمنصات الإلكترونية والتطبيقات الذكية، أو بشكل أوضح وأدق على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) بما في ذلك التواصل مع عملائها، في حين أن البنوك التقليدية أو كما يسميها البعض ب (البنوك الأرضية)، هي تَعتمد بشكل أكبر في تقديمها لخدماتها المصرفية لعملائها على الأقل منذ بدايات نشأتها على مستوى العالم على شبكة الفروع، وبالذات بنوك التجزئة منها (Retail Banking). القطاع المصرفي السعودي شهد خلال العقدين الماضيين تطوراً مذهلاً غير مسبوق على مستوى جودة ونوعية الخدمات المقدمة للعملاء، وأيضاً من حيث التوسع في الخدمات المصرفية الإلكترونية عبر استخدام التطبيقات الذكية وشبكة (الإنترنت)، بل إن جميع البنوك السعودية، أن لم يكن معظمها لديها شبكة من الفروع الإلكترونية (Digital Branches) تقدم للعملاء مختلف أنواع الخدمات المصرفية، من إيداع، وسحب، وتحويل، وسداد فواتير ورسوم وإلى غير ذلك من الخدمات. نشرت صحيفة البيان الإماراتية تقرير بعنوان "البنوك الرقمية خيار التحول الاستثنائي"، أوضحت من خلاله أن الأزمة المالية العالمية التي حلت بالعالم في العام 2008 وأعقبتها أزمة جائحة «كوفيد 19»، منحتا العالم رؤية جديدة لعالم المال والأعمال في العالم، وتجربة مصرفية أفضل وأكثر عدالة ومهنية تمثلت في ظهور «البنوك الرقمية» والتي يشار إليها أيضاً باسم البنوك الجديدة أو البنوك المنافسة والتي تقدم عروضاً مصرفية حديثة مصممة خصيصاً للهواتف الذكية والعالم الرقمي. وأشارت أيضا إلى أنه يوجد حالياً أكثر من 400 بنك رقمي في جميع أنحاء العالم، ولا تزال السوق تنمو بسرعة من حيث العدد والحجم في ظل ظروف تحول استثنائي قلما مر بها العالم من قبل، حيث يرى المراقبون فرصاً مصرفية رقمية وافرة في مجالات وأسواق جغرافية ناشئة عدة في جميع أنحاء العالم. كما أوضحت أن صناعة الخدمات المصرفية الرقمية أصبحت متقدمة جداً، ويُعتقد أن 76 % من الأفراد يستخدمون الخدمات المصرفية عبر الإنترنت بانتظام اعتباراً من العام 2020. وذكرت الصحيفة نقلاً عن شركة تشالنجر إنسايدر، أن حجم سوق الخدمات المصرفية الرقمية العالمية بلغ 2.893.68 تريليون دولار أميركي في العام 2018، ومن المتوقع أن يصل إلى 5.796 تريليونات دولار بحلول العام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.9 ٪ خلال الفترة المتوقعة. من الواضح جداً أن معظم إن لم يكن جميع المؤسسات المالية وغير المالية، بما في ذلك الحكومية، وبالذات الخدمية تتجه بقوة إلى استخدام التقنيات الحديثة في الاتصالات اللاسلكية لتقديم خدماتها لعملائها والمتعاملين معها، وبالذات في ظل انتشار الشبكات الرقمية المتاحة على نطاق واسع وبأسعار زهيدة. أوضح البنك المركزي السعودي أن مَنح ترخيص لبنوك رقمية في المملكة، تُعد خطوة تتماشى مع دور البنك المركزي في مواكبة آخر التطورات في القطاع المالي، والسعي إلى تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 من خلال تنمية الاقتصاد الرقمي وتَمكين الشركات المالية من دعم نمو القطاع الخاص وفتح المجال أمام شركات جديدة لتقديم الخدمات المالية. جدير بالذكر أن البنك المركزي قد رخص خلال الفترة الماضية ل 16 شركة تقنية مالية سعودية لتقديم خدمات المدفوعات والتمويل الاستهلاكي المصغر ووساطة التأمين الإلكترونية، وصرح ل 32 شركة تقنية مالية للعمل تحت مظلة البيئة التجريبية التشريعية Sandbox والمخصصة لتجربة الخدمات والمنتجات المالية المبتكرة في المملكة. أتفق مع البنك المركزي، بأن استمرار تلقي طلبات جديدة للترخيص لمزاولة الأعمال المصرفية في المملكة سيحقق قيمة مضافة للقطاع المصرفي وسيسهم في دعم ونمو الاقتصاد السعودي وخدمة المواطنين والشركات على حدٍ سواء. وأتفق كذلك مع المنادين بالتوسع في البنوك الرقمية، لما سيتحقق عنه من إيجابيات عديد، منها توفير الجهد والوقت على العميل، الذي يُمكن له إجراء عملياته البنكية دون أن يضطر للذهاب إلى الفروع، كما أن التعامل مع البنوك الرقمية يُعول عليه أن يسهم بفاعلية في التخفيض من التكاليف التشغيلية بسبب توظيف وتسخير التقنية وعدم الاعتماد على شبكة الفروع كالبنوك التقليدية، الأمر الذي سينعكس بدوره على العميل على هيئة الانخفاض في أسعار الخدمات. ولكن رغم ذلك وذاك، برأيي أنه يتطلب من البنوك الرقمية الالتفات والاهتمام بتوفير أقصى درجات الحماية والأمن المعلوماتي، تفادياً لوقوع العملاء في فخ العمليات الاحتيالية، وأيضاً تجسير وتضييق هوة التواصل مع العملاء والتعرف على احتياجاتهم عن قرب، والتي من المحتمل أن تحدث نتيجة للاعتماد كلياً وبشكل مبالغ فيه ومفرط على التعاملات الافتراضية والرقمية.