أينما حللت في أرض الخير المملكة العربية السعودية فلن ترى إلا خيرا، ولن تسمع إلا ما يسعد أذنيك، والأكثر من ذلك أنك لن تشم إلا طيبا، ولا يقتصر ذلك على من يسكن الفلل والقصور، أو فنادق الخمس نجوم أو في أي محل من دور الضيافة. الأمر طبيعي في كل بيت من البيوت صغيرها قبل كبيرها؛ لأن ذلك سلوك مجتمع تربى وتعود على أطيب الكلمات وأفضل الروائح الذكية، ولأن الروائح الكريمة مثل العود والعنبر والمسك تحتاج إلى "مباخر" لتفوح منها وفي أرجاء المكان أطيب ما يشرح الصدر ويحل البهجة في النفوس. فقد تبارى الحائليون الذين تربوا على العود والمسك والعنبر، وفطنوا مبكرا لصناعة المباخر ومع مرور عشرات السنين تحولت تلك الصناعة إلى فن من فنون الإبداع في إعداد الأشكال والرسومات وعلى كل مقتنٍ لها أن يختار المبخرة التي تناسبه فهي وما تحتويه من بخور تشع جمالا وروعة في نفوس الجميع. المبخرة التي يصنعها أبناء حائل يدويا منذ أكثر من مئة عام صارت موردا اقتصاديا ورأسماليا فهم يصدرون بأكثر من مليون ريال من تلك التحفة الفنية التي يتجلى إبداعهم فيها أيما إبداع. اعتاد المجتمع السعودي في اجتماعاتهم وجلساتهم التقليدية وفي "دور الضيافة" استخدام المباخر لنشر روائح تدخل البهجة في نفوس الحاضرين، ولأنهم يرون الروائح الكريمة تسعد النفوس فقد تجاوز الأمر الجلسات في دور الضيافة وباتت تلك المجامر أو المباخر أول من يستقبل الزائرين في المطاعم والمقاهي والتي تعج بالعشرات من الشباب والأسر. والآن تطورت المباخر وصارت تحفا جميلة وقد برع أبناء حائل في تحويلها إلى قطع مختلفة الأشكال والألوان لذا نجد في المناسبات أشكالا رائعة جدا برسومات مختلفة، تحتار أيا منها تختار. قبل أكثر من مئة عام كان نفر قليل من أبناء مدينة حائل، يصنعون المباخر من أدوات بدائية، ليضعوا فيها أنواعا من البخور لتغطي المكان بروائح طيبة، ويوما بعد يوم عرفوا طريقهم لإنتاج أجمل أنواع المباخر ففي صحراء مدينة حائل تنمو شجرة الطرفاء، وعندما تجف فروعها يقطعونها ويحولون تلك الأغصان الخشبية إلى مباخر جميلة، حتى إنهم تفننوا في أشكالها ولا يخلو بيت من البيوت من توافر أكثر من مبخرة فيه. توارثوا المهنة جيلا بعد جيل ويعود تاريخ صناعة المبخرة في منطقة حائل إلى أكثر من 140 عاما. وقد تطورت تطورا كبيرا، ويتبارى الصناع المهرة في العمل دون كلل أو ملل ومن فرط إتقانهم للعمل أنتجوا العديد من المباخر المتنوعة في أشكالها والتي تناسب كل الأذواق. تزيين المباخر لا يقف إنتاج أبناء حائل على صناعة المباخر أو المداخن وتلك أسماؤها بل هناك فريق آخر من العاملين يقوم بعد الانتهاء من صناعتها بعملية تزيينها ويستغرق تزيين الواحدة منها من ساعتين إلى خمس ساعات حسب الشكل المرسوم للتزيين لذلك تتفاوت أسعار المبخرة من مستوى إلى آخر، صحيح أنها كلها من خشب الطرفاء إلا أن الرسومات التي توضع عليها تأخذ جهدا مضاعفا لذلك تتراوح الأسعار وتتفاوت من مبخرة إلى أخرى. وتبدأ الأسعار من 50 ريالا للقطعة الواحدة حتى يصل أعلاها إلى 2000 ريال. التصدير إلى دول الخليج أصبحت صناعة المباخر بأيدي أبناء حائل مفخرة لهم فبعد أن ذاع صيتها وانتشر في أرجاء المملكة لم يكن غريبا أن تعبر الأجواء وتتجاوز الأسواق المحلية وبات لها طلب مكثف من خارج الوطن إذ أن دول الخليج زاد طلبهم عليها وذلك لجودتها وثانيا للأشكال الجميلة التي تظهر. وباتت بالنسبة للصناع المهرة في حائل رافدا اقتصاديا واستثماريا، ويؤكد صناع المباخر أنه مع كل فترة اعتدنا تقديم أشكال جديدة وأحجام مختلفة بعد أن أكد المتعاملون معنا أن المقبلين على الشراء منهم من يحتاج أحجاما صغيرة ومتوسطة لاستخدامها كمباخر بعد أن يتم تغذيتها بأنواع من البخور والعطور والعنبر، وآخرون يسألون عن قطع من الحجم الكبير لاستخدامه في تزيين المجالس.