رؤية جديدة هي عماد التحولات السعودية في سنوات ماضية وأخرى مقبلة، جعلت من ملفات عدة على مستويات سياسية واجتماعية وأخرى تنموية واقتصادية نقاط ارتكاز للإنسان والمكان والزمان في مشروع متكامل، آخذ في التصاعد، مع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي تحتفل المملكة وشعبها بذكرى بيعته الرابعة ولياً للعهد. ويؤمن السعوديون بأن التغييرات التي أجراها الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، مع رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- هي بمثابة نقطة تحول على مستوى الدولة عموماً. الأمير محمد بن سلمان بعطاء الشباب ونظرته بعيدة المدى انطلق من الإرث العريق لبلاده ليعالج الحاضر وعينه على المستقبل في مجالات عدة، وسار الإصلاح بشكل أفقي لجوانب عدة تدعم الوطن والمواطن والمقيم على حد سواء. وعبر مشروع رؤية 2030 يسعى ولي عهد السعودية جاهداً لتغيير الصورة النمطية عن بلاده بأنها مجرد مصدر نفطي وأن اقتصادها يعتمد عليه بشكل كبير في موازنتها العامة، إلى اقتصاد دولة متنوع الموارد الرئيسة والثانوية لتعدد مصادر الدخل للميزانية العامة للبلاد في السنوات القليلة المقبلة، جنباً إلى جنب مع رفع المستوى المعيشي والوعي الثقافي والتحصيل العلمي والتطوير التنموي. تنوع كبير هو العام الرابع في ولاية العهد للأمير محمد بن سلمان، لكنه كان كثير العطاء في اتجاهات عدة، ففي المجال السياسي لا يغفل المتابعون التنوع الكبير الذي قاده ولي العهد في عدد من الملفات السياسية المهمة فالعلاقة الاستراتيجية مع أميركا تزداد صلابة، في الوقت الذي أخذت تتواصل الاتصالات على مستوى عالٍ مع روسيا في الملفات السياسية الدولية، والاقتصاد، في حين كانت العلاقات السعودية الصينية في أوجها، وهي موازنات نجح الأمير محمد بن سلمان في إدارتها بتميز. ووفقاً لهذه الجهود المدعومة من ولي العهد في اتجاهات عدة باتت العاصمة السعودية الرياض، أحد مصبات القرارات المتعلقة بالمجتمع الدولي، ولأنه كما يقال إن الاقتصاد عربة السياسة الأمامية، بدأ بالتحرك في الجانبين بصورة متزامنة، فتم بذل جهود واتصالات مع زعماء العالم في الشرق والغرب لعقد عدد من الاتفاقيات الاقتصادية التي تدعم القرار السياسي للرياض في المحافل الدولية، حيث ترأست المملكة اجتماعات قمة العشرين، إذ تم مناقشة السبل كافة التي تمس مستقبل القرار الدولي ليمر من خلال العاصمة السعودية الرياض. وبشهادات منظمات عالمية، كشفت نتائج السير على ضوء "رؤية 2030" عن نجاح المشروع الحلم الذي أتمّ عامه الخامس، وتحقيق مستهدفات استباقية للأهداف المرحلية الموضوعة، إذ حققت المملكة نهاية العام المنصرم مراكز متقدمة في تصنيفات عالمية معتمَدة من منظمات دولية، حيث تصدرت السعودية مؤشر الدول الأكثر إصلاحاً على المستوى الأعمال والاقتصاد، كما أنها سجلت قفزات ملموسة في مؤشر التنافسية لبيئة الاقتصاد الداخلية، ما يؤكد سلامة منهجية سير الرؤية والآليات التي تقوم على تنفيذها. واضحة المعالم وباتت الإصلاحات التي قادها ولي العهد واضحة المعالم، في اتجاهات عدة، وقد حرص على تحسين عدد من القرارات والأنظمة بهدف توفير جودة الحياة الاجتماعية الآنية، والتخطيط للمشاريع المستقبلية، ويعد مراقبون أن من أبرز الدلالات على تأثير الإصلاحات الاجتماعية، على حياة المواطن والمقيم في السعودية، إعادة تعريف السياحة السعودية والإصلاحات القضائية والعدلية. ويعد برنامج جودة الحياة، أحد بنود "رؤية 2030"، آتى أكله بصورة أسرع مما هو متوقع، فالأجواء التي باتت تُوفر من جهات عدة داخل المجتمع السعودي أغرت الكثير من الساكنين على البقاء في الداخل وعدم السفر لوجهات سياحية خارجية، والاستمتاع بأجواء باتت أكثر بهجة داخل بلادهم. وأعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء أن "مبادرة السعودية الخضراء"، و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة ووضعها في خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة وستسهمان بشكل قوي بتحقيق المستهدفات العالمية. وسُر السعوديون بتوجهات ولي العهد لإعادة البلاد إلى سابق عهدها الذي كانت عليه من قبل ليعيشوا الحياة الطبيعية التي عاشتها الأجيال السابقة من السعوديين، ففُتحت المتاحف ودور السينما ونُظمت الحفلات الغنائية ليعود الفنانون السعوديون المهاجرون -فنياً- ليصدحوا على مسارح بلادهم، وحضر برفقتهم نجوم العالم في الثقافة والفن لينثروا إبداعاتهم في الرياضوجدة وبقية المدن الأخرى. أكثر وهجاً ويتذكر السعوديون بفخر عدداً من القرارات التي تبناها ولي العهد من البداية وساهمت في تحسين الوضع الاجتماعي، منها تكثيف حضور السينما داخل المجتمع بعد فترة غياب قرابة 35 عاماً والعزم على وصولها إلى 300 دار بحلول 2030، وكذلك قيادة النساء للسيارات، والتعديلات التنظيمية التي سمحت للنساء السعوديات بالسفر دون شرط موافقة ولي الأمر، بالإضافة إلى تمكين المرأة من دور أكبر في العائلة والمجتمع الخارجي. ولأن السعودية تقبع على مساحة تقدّر بنحو مليوني كيلومتر مربع، وتحتضن الحرمين الشريفين، وتمتلك موقعاً استراتيجياً، كان لزاماً أن يخرج قطار الاقتصاد بعد عقود من الزمان عن مساره التقليدي لمسارات أكثر وهجاً وتطوراً تتواكب مع المعطيات وما تحتضنه الأرض من كنوز في باطنها وعلى سطحها، فكانت الرؤية ملاذاً لارتكازها على عمق السعودية العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية الهائلة التي تمتلكها إلى جانب قدرتها على ربط القارات الثلاث بحكم موقعها الاستراتيجي. ووضعت الرؤية قرابة 13 برنامجاً تعمل على تحقيقها؛ منها برنامج "جودة الحياة" الذي يهدف إلى تحسين نمط حياة من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز مشاركة المواطن والمقيم في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية، مع استحداث الوظائف، وتنويع النشاط الاقتصادي الذي يعزز مكانة المدن السعودية. وفي زمن يحتاج إلى التفكير بطريقة وأسلوب مختلف خرجت المشاريع غير التقليدية والتي من أبرزها مشروع نيوم -شمال غربي المملكة- ومشروع القدية أكبر مدينة ترفيهية اجتماعية متكاملة في العالم -جنوب غربي العاصمة الرياض- ومشروع البحر الأحمر، ومشروع آمالا، المنتج الصحي الأكثر فخامة في المنطقة، ومشروع العلا التاريخية. أسهم أرامكو وأوفى الأمير محمد بن سلمان بوعد تحول أكبر شركة نفط في العالم إلى شركة مساهمة عامة سعودية، عندما لمّح في العام 2016م إلى عزم المملكة طرح جزئي من أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام، وهو من القرارات التي وُصفت حينها بأنها مغامرة، في وقت يرى ولي العهد أنها عاكسة لمستوى رغبة التحول المستهدف، وبالفعل لم ينتهِ العام 2019م حتى بات سهم الشركة يتداول في سوق الأسهم السعودية بعد أكبر عملية طرح عام وإدراج تشهده بورصات العالم، والمحطات لا تنتهي، إذ هناك تأسيس الصناعات العسكرية السعودية تحت إشرافه في العام 2018م والذي يهدف إلى توطين 50 % من إجمالي الإنفاق العسكري الحكومي، إضافةً إلى دعم الصناعات المختلفة ومنها صناعة السيارات التي يُتوقع أن يمنح أول تصريح للتجميع لشركات السيارات في السعودية خلال الربع الأخير من العام الحالي. استثمارات عامة ومع دوران عجلة العمل كان التوجه نحو تحريك صندوق الاستثمارات العامة الذي يدير أصولاً بأكثر من 300 مليار دولار، أمراً مهماً، لذا قام الأمير محمد بن سلمان، بتطوير آلياته والدفع به كي يصبح واحداً من أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم بمحفظة استثمارية متنوعة، يستحوذ على الفرص الاستثمارية الجذابة وشراء حصص في كبريات شركات العالم منها: بوينغ، وفيسبوك، وسيتي غروب، وديزني، وبنك أوف أميركا، إضافة إلى حصته في شركة بي بي النفطية بقيمة إجمالية تقدر بنحو 3.5 مليارات دولار، حيث كشف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن هناك طروحات لشركات في محفظة صندوق الاستثمارات العامة ستكون خلال هذه السنة والسنوات القادمة، مشيراً إلى أن أي شركة جديدة ينشئها صندوق الاستثمارات العامة عندما تبدأ في الربحية لا تستمر أكثر من خمس سنوات إلا ويتم طرحها في السوق. ولفت سموه إلى أن هذا الأمر يتضمن شركات نيوموالبحر الأحمر والقدية والسودة وأمالا وبوابة الدرعية، وغيرها من المشاريع، فيما سيتم ضخ هذه المتحصلات في الاقتصاد السعودي، ومن إنجازات رؤية المملكة 2030 إطلاق مبادرات رائدة منها: برنامج صنع في السعودية، برنامج شريك، إنشاء بنك التصدير والاستيراد، نظام الاستثمار التعديني، وتعتزم المملكة افتتاح مشروع سكاكا للطاقة الشمسية في منطقة الجوف شمال غرب البلاد؛ أول مشروعاتها للطاقة المتجددة، قبل نهاية العام الحالي، في خطوة طموحة لتنويع مصادرها من الطاقة وتوفير بدائل عن إنتاج الكهرباء من مشتقات الوقود الأحفوري، وإطلاق مركز متخصص للذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي لرفع جودة الحياة الصحية في السعودية. زيادة نمو ويستهدف صندوق الاستثمارات العامة -الصندوق السيادي- النمو ليصبح صندوقاً ضخماً، وبالتالي لن يحول أرباحه في الوقت الحالي إلى ميزانية الدولة، وسيستهدف زيادة نمو حجم الصندوق، بأكثر من 200 % في السنوات الخمس المقبلة، وفي المستقبل لن تتجاوز المصروفات من هذا الصندوق نسبة 2.5 %، وسيكون هو بمثابة نفط جديد للمملكة إلى مصادر دخل أخرى من التنوع في الاقتصاد، من مختلف استراتيجيات الاستثمار الأخرى للمملكة بما فيها النفط. وقال الأمير محمد بن سلمان: إن مشاريع صندوق الاستثمارات خارج السعودية تستهدف عائداً بأكثر من 10 % واصفاً سياسة المملكة الخارجية بأنها قائمة على مصالح السعودية، وسمعة الصندوق ونفوذه جذبت له استثمارات، وعلى سبيل المثال شركة "أوبر" هي التي سعت لاستثمارات الصندوق الذي يختار استثماراته بعناية بموجب مصالح المملكة، بما لا يتعارض مع القوانين الدولية وقوانين الدول الأخرى. وأكد صندوق الاستثمارات العامة ينفق في الاستثمارات المحلية أكثر من الإنفاق الرأسمالي لميزانية الدولة، وأن صندوق الاستثمارات العامة ضخ 90 مليار ريال استثمارات جديدة العام الماضي، والعام الحالي سيستثمر 160 مليار ريال، مقابل 150 مليار ريال استثمارات في ميزانية الدولة في 2021م، وقال إن مشاريع صندوق الاستثمارات العامة ممكّن أساسي للقطاع الخاص ونتفاوض مع 30 شركة سعودية ضمن برنامج "شريك"، وسنطرح في السوق العديد من الشركات التي تم انشاؤها من صندوق الاستثمارات العامة خلال السنوات القادمة. تسريع العملية ولتكتمل المنظومة، كان على المملكة اتخاذ إجراءات تطويرية في إدارتها لتسريع عملية التحول وهو ما جرى من تحويل لعديد من الهيئات إلى وزارات، ومنها السياحة، والاستثمار، والرياضة ودمج بعض الوزارات بهدف إشراك القطاع الخاص للمساهمة بشكل فاعل في المرحلة المقبلة من التنمية الوطنية، وتنويع مصادر الدخل لتشمل القطاعات الرئيسة كافة. وشهدت المنظمات الدولية على صدقية النتائج التي آلت إليها نتائج رؤية 2030، إذ باتت السعودية أكثر الدول تقدماً في مجال الإصلاح الاقتصادي من بين 190 دولة حول العالم، مسجلةً قفزة نوعية حققتها بتجاوز 30 مرتبة في مجال سهولة ممارسة الأعمال 2020، حسب التقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي، إضافة إلى تقدمها في تقرير التنافسية العالمي الصادر عن مركز التنافسية العالمي، كإحدى ثمار العمل القائم لتحقيق رؤية المملكة. قوة الإصلاحات وقبل 10 أعوام من اكتمال الرؤية التي تمسكت بها المملكة، ها هو العالم يعيش أزمة فيروس كورونا التي لها تبعات قاسية على الاقتصاد العالمي، وعجزت دول عن مواجهة الفيروس، وفي ظل هذه الأزمة خرج التصنيف الائتماني الصادر عن مؤسسة فيتش العالمية، يؤكد مرونة الاقتصاد السعودي، مشدداً على سلامة وقوة الإصلاحات التي اتخذتها السعودية في وقت سابق، وسرعة الإجراءات الاحترازية لدعم كل القطاعات الاقتصادية من خلال إنفاق كبير لدعم القطاع الخاص. ويرأس ولي العهد حالياً اللجنة العليا التنسيقية لمعالجة تحديات الأزمات، حيث تتدفق في السعودية المبادرات والمحفزات لتقوية مفاصل الاقتصاد الوطني خصوصاً القطاع الخاص، حيث اتخذت الحكومة عشرات الإجراءات لمواجهة جائحة كورونا والتخفيف من تداعياتها على الأفراد والمنشآت، تضمنت آنذاك حزم مبادرات مالية ونقدية واقتصادية ضخمة بلغ إجماليها 177 مليار ريال -47.2 مليار دولار-، ما يعادل 9 % من الناتج المحلي الإجمالي السعودي؛ كان منها 9 مليارات ريال -2.4 مليار دولار- لحماية السعوديين العاملين بالقطاع الخاص من فقد وظائفهم وتوفير دخل بديل لمن يفقد الدخل من العمل. تطورت المملكة ولم تعد تعتمد على النفط فقط