جمع سمو ولي العهد إلى بلاغة الكلام وسداد المنهج إشراقة المعاني وبراعة الاختزال؛ ودوماً يرفد حديثه بنصاعة الشفافية ورهافة الشعور وتدعيم الحديث بجزالة الأرقام ودقّتها واستشفاف مضامينها ومآلاتها؛ وإننا فخورون حد الدهشة بهذا الاكتناز المعرفي والثقافي والإنساني.. باختصار أرجو أن لا يكون مُخلّاً؛ يعتبر لقاء سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يوم الثلاثاء انتصاراً لقيمة العقل الراجح الرصين الذي تنبثق منه الأفكار ذات الأثر الخلاّق في ترشيد السلوك واتخاذ القرارات الناجعة والحصيفة. العقل الخلّاق المبدع الذي يتخذ من التفكير التصميمي التكاملي منهجية تستبطن المشكلات وتغوص في جذورها؛ لتحدد المشكلة وتقف على أسبابها ثم تهيكل العلاقات بينها فتتخذ القرار بعد الوصول إلى الحل السليم الكفيل بمعالجة تلك المشكلة. وما سيل الإعجاب الهادر الذي توّج هامة اللقاء الذي طارت به قنوات العالم وتلفزتها احتفاءً وتعبيراً عن إعجاب؛ إلا ترجمة لهذا الرجحان للحنكة العقلية المستبصرة؛ من هذا القائد الهمام الذي يقود أعظم حركة تجديدية وإصلاحية في العصر الحديث. وليس ثمّة مبالغة في إطلاق هذا الوصف سيما إذا رأينا أن "الكلمة المفتاحية" والمحورية هي الشغف. مضامين عظيمة وأفكار مذهلة ورؤى استشرافية عميقة تؤمن بالمستقبل وتحتفي بالعقل المُنجِز الخلّاق الذي لا يركن للدِّعة والراحة والتقاعس؛ إذ لا مكان لهذه اللفظة القاتمة المُحبِطة في قاموس هذا القائد. أيضاً ملمح مفصلي مهم؛ يكاد يكون هو الجوهر المحوري لهذه الرؤية؛ ألا وهو "الزمن/الوقت"، باعتباره مُرتكَز الرؤية، إذ إن تزمين الرؤية على مراحل وفق أهداف ومرتكزات وأهداف هو الأساس الراسخ والعميق؛ باعتبار أن الوقت أو الزمن أحد أهمّ الأسس العميقة للتقدم الاقتصادي والذي يستتبعه التقدم في السياسة والثقافة وغيرهما. كل من شاهد اللقاء التاريخي لسمو ولي العهد؛ يشعر بثقة واطمئنان راسخين للمستقبل، فقد كانت عباراته ورسائله العفوية التي أطلقها بالغة الدلالة، وذات تلمُّس واعٍ وبصير بمسألة المستقبل واستحقاقاته عبر النظرة العملية الواقعية للتحديات والمشكلات التي تعترض طريق نهضتنا وآمالنا التي تتحمّل الرؤية الطموحة لسموه عبء تحقيقها وإنجاحها وصونها من أي تعثّر. لقد كان واضحاً من خطابات سموه وتصاريحه وأحاديثه - آخرها هذا اللقاء -؛ كان واضحاً إدراك سموّه بفطنته اللافتة للمعضلة الحقيقية في جسد وطننا ومؤسساته ووزاراته المختلفة من أعطاب وأدواء وعلل أثقلت هذا الجسد ونخرت فيه سواء البيروقراطية القاتلة والمُجهضة للمشروعات والأفكار الطموحة أو الفساد أو الاتكالية وضعف ورتابة الأداء ومن ثم الإنجاز الذي لا يتّسق مع طموح القيادة التي آمنت بقدراتها ومقدّرات وطنها. ومن هنا كانت الانتفاضة الثورية لكل ما هو رتيب وهش في جسد هذا الوطن؛ عبر استنهاض كافة القدرات المخبوءة واستثمار الثروات العديدة التي تبدأ بالنفط وتمر بالثروة الأهم وهو "الإنسان"؛ الذي يؤكد سموه في كل مناسبة أنه الثروة الحقيقية التي لا تنضب ولا تنفد وأنه هو الكنز المذخور الذي لا يكسُد مع الزمن ولا يبلى. كثيرة هي المفاصل المهمة في فكر سموه التي لا يمكن إجمالها واختزالها في مقال محدود المساحة؛ لكن من المهم الإشارة لتأكيد سموّه على أهمية وضع معايير للمقارنة؛ وهو النهج الذي من خلاله يتم قياس مدى جودة سياسة أجهزة الدولة وفاعلية برامجها والاستراتيجية التي تنطلق منها؛ كل هذا يتم قياسه ومعايرته بالأشكال النموذجية للتأكد من مدى مطابقتها له ومن ثم جدواها. وهو ما يعني تلمّس الفجوات الإدارية والهيكلية والفكرية في مؤسساتنا وإدارة بالمعرفة والعقل الخلاق والطرق الإبداعية التي تجعل من التجويد والواقع المثالي والكفاءة ملامح تشكّل الملامح النهائية لهذا المنجز. أما على الجانب الاجتماعي والثقافي والفكري فحديث يبدأ ولا ينتهي؛ فسموّه داعٍ كبير للانفتاح الواعي وللحوار الحضاري المنبثق من قيمنا وتعاليم ديننا السمحة؛ وهي رؤية عميقة مستبصرة للدين وقيمته الإنسانية والحضارية؛ وقد أكد سموه في مواضع عديدة نبذه للإقصاء والفكر الدوغمائي الذي يُسيّج العقول ويعزلها عن التفاعل مع الآخر؛ إذ يكفي استشعار سموه بأننا لسنا على استعداد لأن ننفق عقوداً من أعمارنا تحت هيمنة فكر متشدد منغلق يقتات على الانغلاق وثقافة الكراهية المُكفهرّة. كما لا تغيب أيضاً رؤية سموه للدين من زاوية التسامح واليقين اللذين يلقيان بظلالهما على تعاملاتنا وعلاقاتنا بالآخر؛ وهو فَهْم متبصّر يؤمن بأنّ النصوص والأحاديث تدعو للحياة والجمال والحياة المتوازنة؛ حياة حقيقية لا غُلوّ فيها ولا تشدُّد فهي تقتبس من منهاج النبوة السمح السديد. ولن نصل لوعي مجتمعي ما لم نضع في حساباتنا التعليم باعتباره الرهان الأهم والقوّة البالغة التأثير القادرة على صوغ العقول وإدارة المستقبل برافعة التعليم النوعي المدعّم بالمهارات الضرورية التي ستكون مؤهلة لمجابهة التحديات الراهنة في مملكتنا الجديدة بمجتمعها الواعي الممتلئ بالقوة والطموح والشغف. ولعلي لا أضيف جديداً حين أقول: جمع سمو ولي العهد إلى بلاغة الكلام وسداد المنهج إشراقة المعاني وبراعة الاختزال؛ ودوماً يرفد حديثه بنصاعة الشفافية ورهافة الشعور وتدعيم الحديث بجزالة الأرقام ودقّتها واستشفاف مضامينها ومآلاتها؛ وإننا فخورون حد الدهشة بهذا الاكتناز المعرفي والثقافي والإنساني. أما الرؤية 2030 فعنوانها العريض: قصة نجاح ملهمة وعظيمة؛ وقودها فكر إبداعي خلّاق، وقائد حصيف يملك أفقاً ثقافياً وفكرياً واسعاً ومتراحباً؛ استطاع أن يرسم لنا خارطة مستقبل رغد ورفاه لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا. متلمّساً همومهم؛ منشغلاً بترقّيهم وتطوّرهم ومتحسّساً أوضاعهم بقلب يهجس بتطلّعاتهم وآمالهم واحتياجاتهم. إنها حصافة الرؤية.. وعمق التبصُّر.. وشساعة الحلم.. ورسوخ الثقة.. وثبات اليقين.. والإيمان بنجاعة ونصاعة ورفاه المستقبل.