تشكل مفهوم (القوة الناعمة) في مقال العام 1990 لجوزيف ناي نشرته مجلة (فورن أفيرز) الأميركية استخدم فيه مصطلح (قوة الاستتباع غير القهرية co-optive power) ثم طوّر المصطلح فأصبح القوة الناعمة كأحد مصادر قوة الاستتباع. وبدأت الدول في أوقات متفاوتة تبدي اهتماماً عالياً بالقوة الناعمة، وضرورة دمجها في الاستراتيجيات الدولية والسياسات الخارجية، وهذا المصطلح يُستخدم حالياً على نطاق واسع في الشؤون الدولية من قبل الباحثين والمحللين والسياسيين. عرّف جوزيف ناي القوة الناعمة قائلاً "إنها القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشى وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة، كما كان يجري في الاستراتيجيات التقليدية الأميركية، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد". واستخدم ناي هذا المصطلح في كتابه (مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيّرة للقوة الأميركية) الصادر العام 1990 وطوّر هذا المفهوم فقام وعرضه بالتفصيل في كتاب آخر أصدره العام 2004 بعنوان (القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية). السعودية كذلك تبحث عبر القوة الناعمة للتمكين في مكانتها، ولديها الفرصة الأكبر والمهمة لتحقيق إنجاز كبير في مجال القوة الناعمة عطفاً على الإنجازات المتعددة المجالات في دولة ذات مكانة دولية قادرة على رسم مسار متواز بين قوتها الصلبة والناعمة، والإنجازات في مجال القوة الناعمة ليست عملية معقدة ولكنها عملية منظمة تتطلب مشاركة متكاملة بين عناصر القوة الناعمة في أي مجتمع والتي تدور حول الثقافة والتنمية والتعليم والعلاقات الدبلوماسية والأداء الحكومي في المجالات التنموية والاجتماعية. نعتبر (الثقافة) جزءا أصيلا من العمل السياسي والدبلوماسي كقوة ناعمة وجسر قويم للتعاون والتفاهم والترويج والحوار بين الشعوب والدول، والثقافة والفنون توفران أرضية لمعرفة الآخر وإدراكه وسبر أغواره؛ لتلامس اتجاهاته واستعداداته وتحديد معالمه، كي يتم فهمه أولاً، وبالتالي تجعل تصورنا وصورتنا عنه أكثر وضوحاً، من هنا تكون (الثقافة) أداة ناعمة تمارس من خلالها النفوذ، لتصنع فاعليتها، وتظهر تنوع المجتمعات النابعة منه، وتعكس أنماط حياته وتعليمه، فنونه وآدابه، موسيقاه، مسرحه، أزياؤه حتى رقصه وأهازيجه، وما ينتجه من ثقافة عليا تنسج علاقتها مع الدول الأخرى ومجتمعاتها الذي تتخاطب معهم، وبهذا تكون (القوة الناعمة) بطريقة مهنية احترافية ومتغلغلة مقنعة. يُعد إعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- عن رؤية 2030، إضافة نوعية لتوجهات الدولة، ويحسب لها استنادها لأرضية صلبة من المنجزات المتحققة على أرضنا حالياً يمكن استثمارها، وحيث إن مصدر (القوة الناعمة السعودية) هو نموذجها التنموي الوطني، سيكون من المهم أن تستثمر هذه الرؤية الكثير في تعزيز مكانة السعودية سياسياً اقتصادياً وثقافياً، وفي القوة الناعمة السعودية الثقافية لا شك أن العمل المؤسسي الممنهج سيصنع (قوة ناعمة) ومختلفة في الداخل والخارج. التحولات التي نشهدها الآن أو تلك التي سوف تحدث مستقبلاً تتطلب من الجهاز الحكومي بناء نموذج إداري يهتم بالقوة الناعمة وإنشاء كيانات إدارية للقوة الناعمة هدفها تحقيق إنجازات مطلوبة في مجال القوة الناعمة السعودية، عبر التعريف المؤدي إلى الوعي بمنجزاتنا الفعلية والعميقة في المجتمع.