في زمن المتغيرات السريعة لانجد غرابةً حينما نرى منتجاً لم يتجاوز عمره خمس سنوات فننظر له كقطعة من الماضي القديم، وقد تعتلي البعض ابتسامة عميقة وهو يتفحصه وكأنه يتفحص أعماق التاريخ، هذا هو الزمن المتسارع أو السريع حقيقةً وواقعاً. حالة التغيير هذه لا تعتري المقتنيات والمنتجات فقط، بل هي لا تسمح حتى بالتقاط الأنفاس، لا نتمكن من الهدوء والاستقرار حتى يتغير الزمن وكأننا لم نلحق به، نجد أنفسنا في حين سهوةٍ بسيطة قد فاتنا الكثير، فماهي الحكمة الضالة في هذا الزمن العجول؟ قرأت ذات مرةٍ وأنا أقرأ في سيرة المفكر ابن خلدون أنه بدأ حياته ك"كاتب علامة"، وهي مهنة قديمة كانت تتطلب مهارة في الخط والكتابة، ويتلخص وصفها في أن يقوم هذا الكاتب بكتابة الحمدلة والصلاة على النبي بعد البسملة وقبل الشروع في الخطاب، وكأنه يعد بذلك الأوراق الرسمية الخاصة بالأمراء والملوك، قل هو كآلة نسخ بشرية أو مطبعة، وكم كانت الحاجة ماسة جداً لهؤلاء الكتاب "في زمانهم"، ولكن هذه المهنة ليست شيئاً اليوم. هذا الزمان الذي طوى مهنة ابن خلدون الأولى مازال يطوي كل شيء، كل ما نتمنى الوصول له اليوم من مهارة أو حرفة أو غيرها لها وقتها المخصص في جدول الزمن، ثم ستفقد قيمتها تماماً، هل تساءلنا عن تلك الرغبات التي في الغالب- استلهمناها من الماضي ما إذا كان تستعيش معنا في مستقبلنا أم لا؟ وهل -ولو لمرة- استلهمنا ميولنا المعرفي والمهني من تأثير المستقبل لا من تأثير الماضي؟ هل ما زال الطبسيد العلوم؟ هل مازال الممثل صاحب حظوة إعلامية كبيرة أم طغت شخصيات ال"سوشيال ميديا" عليه؟ ومازالت الأسئلة تتناول كل شيء، واللبيب من استقبل المستقبل.