جميعنا نعيش دوامة من الصراعات اليومية بسبب الضغوط النفسية والعملية والأسرية التي تحيطنا من كل جانب، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية التي تفرض نفسها على المجتمع والفرد بالدرجة الأولى، مما يجعلنا في نزاعات في كيفية إدارة شؤون الحياة وكيفية الحفاظ على نسقها بشكل مُرضٍ وعصري. في ظل كل هذه الضغوطات نحتاج وبلا شك إلى قلب يحتوي وأذن تُصغي وكف تَشُد من أزرنا، وبلا استثناء جميعاً نحتاج وبشكل لا إرادي تبعاً للغريزة الفطرية إلى البوح والإفصاح عما يجول في دواخلنا سواءً أكان خيراً أم شرّاً، حزناً أم فرحاً، فبغير ذلك لا يستطيع الإنسان مهما عزل نفسه أن يقاوم الحياة ويتغلب عليها وأن يعيش طبيعيّاً، إلا من خلال أن يبوح، وبالطبع فإن المرأة تميل إلى الحديث عن دواخلها وذاتها أكثر من الرجل وهذا شيء مفروغ منه تبعاً لطبيعتها الأنثوية الحساسة، حتى لو كان المستمع كتاباً مركوناً في زاوية المنزل. يرى علماء النفس أن البوح أو ما يسمى اصطلاحاً الفضفضة جزء من العلاج النفسي الذي يساعد على التخفيف من حدة التوتر والقلق لكل فرد منا، كما أنه يساهم في الترويح عن النفس، بالإضافة إلى اختفاء أعراض العصاب، والتخلص من الحمولة النفسية والشحنة الانفعالية الزائدة عن طاقة التحمل. إلى ذلك، فإن الفضفضة تستخدم كعلاج تكميلي تدعيمي يخفف من حدة الآلام والمعاناة، ناهيك عن أنها وقاية للإنسان من الوقوع في براثن المشكلات النفسية. ويذكر الطبيب النفسي جون غراي في كتابه الشهير «النساء من الزهرة والرجال من المريخ» أن «المرأة عندما تشتكي لزوجها عما يضايقها فهي لا تريد حلولاً لكنها بحاجة لإنصات واهتمام، لذلك فالفضفضة أو البوح بالمشكلات ليس نوعاً من الثرثرة لكنها إحدى طرق العلاج النفسي التي تقضي على الكبت والمعاناة التي يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، التي من شأنها أيضاً تخليصه من الشحنة الانفعالية الزائدة عن طاقته، لكنها في الوقت ذاته لابد أن تكون مع مختص أو أهل ثقة حتى لا يتبعها ندم». اليوم في ظل هذه الانشغالات الحياتية وانغماس كثيرين في العالم الرقمي خصوصاً في قنوات التواصل الاجتماعي، قليلاً من يسمع لك ويحسن الحديث إليك، فالجميع في انشغالاتهم وأمورهم الخاصة العالقة في مهب الريح، ولكنك تجد أنه بمجرد أن تلقي جزءاً من عاتقك في فضاء البوح إلى أصحابك، ينهال عليك سيل من النصائح والمحاضرات بشكل قاسٍ خالٍ من المشاعر والدعم النفسي والكلمة الطيبة! صاحبك أو قريبك لا يحتاج منك قائمة بالحلول المقترحة أو عتاباً على حدث مضى وانتهى، هو يحتاج منك إصغاء ومساحة قريبة من قلبك ترحب به وتحثه على الكلام والحديث مهما كان والزمان والمكان. صحيح أن هناك من سيقول لك تحدث مع قلبك قبل الآخرين أو خاطب ربك فهو السميع البصير فهو الأفضل وهو أمر لا ريب فيه، ولكن تذكر أنت أننا لم نخلق للعزلة أو الوحدة، فكل واحد منا كائن متفاعل جدّاً يتأثر ويشعر ويحس ويبكي ويحزن ويفرح ويضحك وسط مجتمع مختلف متنامٍ. رسالتي هذه المرة، لا تكن ثقيلاً على القلب بقدر ما تكون معطاءً في هذه الحياة، أعطِ أحبابك فرصة للبوح فهم خلقوا لك وأنت خلقت لهم وإن كان الوقت محدوداً، وتذكر دائماً أن الشقي من لا يحسن الكلام والأشقى منه من لا يحسن السكوت كما قال الروائي إبراهيم الكوني.