عُقدت الجولة الثانية من مفاوضات فيينا بين مجموعة أربعة زائد واحد وإيران، من أجل إحياء الاتفاق النووي الموقع في العام 2015، على إيقاع ترددات الاستهداف الأخير لمنشأة نطنز، وتصعيد طهران تجاه المجتمع الدولي وتهديدها برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 % وهو ما تحقق بالفعل حيث أعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف في تغريدة له على تويتر أن بلاده تنتج تسعة غرامات من اليورانيوم بنسبة ستين في المئة كل ساعة، "غير أن الأخبار الواصلة من طهران عبر الفضاء الإلكتروني" لم تؤثر على الجولة الثانية من المفاوضات، فقد انتهت الجلسة وسط «انطباع عام إيجابي»، حسب ما رأى المندوب الروسي، فيما أعلن ممثل الاتحاد الأوروبي، أنريكي مورا، منسق جلسة المباحثات الرسمية للدول أربعة زائد واحد وإيران بعد انتهاء الجلسة بأنه «رغم التطورات والإعلانات التي تشكل تحدياً في الأيام الماضية، كان من الجيد رؤية الجميع يعود إلى فيينا، بهدف تحقيق تقدم في المحادثات، والعمل لتحقيق هدف واحد: عودة الولاياتالمتحدة للاتفاق النووي، وتطبيقه الكامل». انتهت الجلسة الرسمية لكبار الدبلوماسيين بحسب ما أعلن السفير الروسي للمنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف حيث قال إن «الانطباع العام كان إيجابياً»، وأن اللجنة المشتركة للاتفاق النووي قد تجتمع مجدداً، في حال دعت الحاجة، لتحديد مسار جولة صعبة من محادثات إنقاذ الاتفاق. وقبل بدء المفاوضات، حذر عباس عراقجي كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، من «استنزاف الوقت»، ولوح بانسحاب الوفد الإيراني، وقال للتلفزيون الإيراني: «سنشدد على أن طهران لا تريد عقد مفاوضات مُفسدة. هدفنا ليس مجرد إجراء محادثات من أجل المحادثات. وإذا تحققت نتيجة بناءة فسنواصل المفاوضات. وبغير ذلك ستتوقف المحادثات». كلام عرقجي يستشف منه ابتزاز علني للمجموعة، ودليل صارخ على النهج الذي يدير فيه نظام الملالي أي مفاوضات يجريها، وهو من أجل إحراز أي تقدم يخدم مصالحه لا يتورع عن استخدام أدواته من اليمن إلى العراق وسورية وحتى لبنان، حيث لجأت ميليشيات الحوثي إلى تكثيف اعتداءاتها على المملكة العربية السعودية، أما في العراق فقد تولت الميليشيات العراقية الموالية لطهران الاعتداء على قاعدة عين الأسد ومطار أربيل، فهل يأتي ذاك التصعيد في العراق واليمن من باب المصادفة؟ هذا في وقت أعربت المملكة العربية السعودية عن قلقها العميق إزاء إعلان إيران عن رفعها مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة، محذرة مما يجلبه هذا الإجراء من مخاطر إلى المنطقة أجمع. وشددت الخارجية السعودية، في بيان لها، على أن المملكة "تتابع بقلق" التطورات الراهنة حول برنامج إيران النووي، مشيرة إلى أن القرار الإيراني الأخير بشأن رفع مستوى التخصيب هو "الأمر الذي لا يمكن اعتباره برنامجا مخصصا للاستخدامات السلمية". وأضاف البيان "تدعو المملكة إيران إلى تفادي التصعيد وعدم تعريض أمن المنطقة واستقرارها للمزيد من التوتر، والانخراط بجدية في المفاوضات الجارية حاليا، اتساقا مع تطلعات المجتمع الدولي تجاه تسخير إيران برنامجها النووي لأغراض سلمية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ويحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل". مؤكدةً على أهمية توصل المجتمع الدولي إلى "اتفاق بمحددات أقوى وأطول"، وبما يعزز إجراءات الرصد والمراقبة ويضمن منع إيران من الحصول على الترسانة النووية أو تطوير القدرات اللازمة لذلك و"يأخذ بعين الاعتبار قلق دول المنطقة العميق من الخطوات التصعيدية التي تتخذها إيران لزعزعة الأمن والاستقرار الإقليمي، ومن ضمنها برنامجها النووي".وفي سياق متصل أكد مدير إدارة تخطيط السياسات في الخارجية السعودية، السفير رائد قرملي، في تصريح لوكالة "رويترز" أن الرياض تتشاور مع دول مجموعة واحد زائد خمسة بشأن المشاورات الجارية حالياً بينها وإيران في فيينا حول إمكانية إحياء الاتفاق النووي المبرم العام 2015. وشدد قرملي على أن أي اتفاق مع إيران لا يتطرق بشكل فعال إلى المخاوف المشروعة لدول المنطقة لن ينجح... موقف الرياض يبرهن مرة أخرى أن المملكة العربية السعودية هي الدولة التي تقف بالمرصاد لمواجهة المشروع الفارسي وتتحمل نتائج التهور الإيراني، كما يعتبر هذا الموقف مفصلياً في مسار تلك المفاوضات، وبالتالي فإنه من المعروف أن الولاياتالمتحدة لن تكون ذات قوة وفعالية في موقفها دون أن تستند على السعودية كدولة حليفة في الشرق الأوسط تستطيع أن تحسم معها الحرب في اليمن لصالح الشعب اليمني، وعليه فإنه من الطبيعي والمنطقي والمتوقع من واشنطن في هذه المفاوضات أن تضمن وقف اعتداءات الحوثيين على الأراضي السعودية والتي تهدد المنشآت النفطية مما ينعكس على واقع الاقتصاد النفطي دوليا، وبالتالي من مصلحة إدارة بايدن الأخذ بالورقة السعودية وتضمن تحقيقها لأنها لمصلحة الولاياتالمتحدة بنفس المقدار، (أي أن مفاوضات دون تضمين حفظ أمن المملكة يعتبر أمراً دون جدوى ولا قيمة له). وبناء على ما تقدم فإن المملكة العربية السعودية تكون قد رسمت معالم أي اتفاق مستقبلي سيتم التوصل إليه في حال نجاح محادثات فيينا وبالتالي إحياء الاتفاق النووي، وعلى مجموعة واحد زائد خمسة حينها أن تعرف أنه لا يمكن لأي اتفاق النجاح والاستمرار دون الأخذ بالهواجس العربية عموماً، لا سيما السعودية، واستدامة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الذي تطمح إليه إدارة الرئيس بايدن بعد أن حدد في مطلع عهده الهدف من العودة للاتفاق وهو استعادة "زمام السيطرة" وتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط. .