في مختلف التجارب التي تمر بنا في الإدارة، لا يكاد المجال يتسع لمواقف تقييم الموظفين، وقد تناولها خبراء الموارد البشرية طويلاً خصوصا عقب تحديث اللائحة التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدنية بدلا من لائحة إدارة الأداء الوظيفي، وما تلاها من نقاشات وآراء. ومع بلوغ الموظفين الحكوميين بحسب بيانات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلى أكثر من 1.6 مليون موظف، بالكاد تجد الحديث عن آراء أولئك الموظفين في بيئة عملهم، ومدى رضاهم عن أداء من هم أعلى منهم إدارياً، وأحسب أن الكثيرين لم يتفطنوا لقيمة الأمر، ومدى أهميته لأداء المنشآت وانعكاساتها المباشرة على الإنتاجية. وكثير من المدراء قد لا يعلمون عن "تقييم الأداء 360" وهو أحد مفاهيم الإدارة الحديثة التي يمكن من خلالها الوصول لتقييم شامل عن الموظفين وحتى المدراء المباشرين، وأحسب أن هذا التقييم هو أحد متطلبات الإدارة في منشآتنا التي تحتاج إلى تقييم مختلف الأطراف بما يكفل تطور الأداء فيها. إن وجود تقييم يتجه من الأدنى إلى الأعلى بحد ذاته يبرز مدى عمل الجهة ضمن فريق واحد، ويشير إلى مدى الشفافية التي تتيح للموظف تقييم مختلف الأعمال التي تقدمها الجهة، كما يحسن من مستوى العلاقات في العمل وبالتالي ارتفاع الأداء. وإذا أردنا التوقف لرصد حالة يمكن القياس عليها، فقد اطلعت في الآونة الأخيرة على مراسلة لصاحب معالي يطالب منسوبي هيئته - وبكل سرية - تقديم آرائهم عبر رابط "استبيان الرضا الوظيفي"، وإبداء وجهة نظرهم وتجربتهم الوظيفية بكل شفافية. وتوثق مراسلة المعالي، تعهده "شخصياً" بأنّ كلّ ما سيُدلي به الموظف في "استبيان الرضا الوظيفي" سيكون قيْد السرّية التامة. إنّ ذلك النّموذج يبرز لنا مدى ما تعيشه المملكة اليوم من تحولات غير مسبوقة بفضل الله، ثم برؤية قيادتنا الحكيمة، حيث تقدم العناية الكاملة بالموارد البشرية وذلك ابتداءً بإطلاق "برنامج الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية"، ومروراً بوضع سياسات وإجراءات واضحة لتطبيق مفهومها، ووصولاً إلى تطوير بيئة العمل بالمملكة. إن إشراك الموظف في التقييم يسهم في تعزيز ثقته بالمنشأة والجهة التي يعمل بها، وأن رأيه سيكون قيمة مضافة تسهم في التغيير وتحسين وتطوير بيئة العمل، كما أن تهميش رأي الموظف سيشكل حاجزا لعملية التواصل الفعال. إن قياداتنا الإدارية تقع على عاتقهم مسؤولية تجسيد مدى تقدمنا، وقدرتنا على تعزيز التشاركية والشفافية وإحداث الأثر، ومشاركة الموظف في تقييم الأداء كفيل بتغيير وجهة نظر كل من يحمل همّ التقدم والتطور في مختلف صروحنا ومؤسساتنا الحكومية والخاصة.