مع قرب شهر رمضان المبارك تزداد ظاهرة التسول، التي لم تسلم منها مدينة ولا قرية في بلادنا حيث ينتشر العديد من المتسولين في أماكن عدة مثل: إشارات المرور، المساجد وأبوابها، داخل وخارج محطات الوقود، الطرقات العامة، وللأسف نرى المتسولين يمارسون نشاطهم في كل وقت وحتى تحت أشعة الشمس الحارقة لاستعطاف المحسنين. وتمتد هذه الظاهرة لتشمل المدارس والمجمعات التجارية وحتى ورش السيارات والمصانع وغيرها من الأماكن العامة التي تضعف فيها الرقابة من مكافحة التسول خصوصاً. وتتنوع حيل وأشكال وصور التسول التي يتخذها ضعاف النفوس مهنة يومية تدر عليهم الأموال الطائلة نتيجة التعاطف الذي يجدونه من المواطنين والمقيمين، فبات القضاء على هذه الظاهرة يتطلّب حلولاً جذرية حاسمة وحازمة، لمكافحتها لما يترتب عليها من آثار خطيرة على مجتمعنا، اقتصادياً وأخلاقياً وسلوكياً، لاسيما ونحن نعيش في بلد يعد من أفضل الدول في المستوى المعيشي في ظل ما تبذله حكومتنا - رعاها الله - من فرص متنوعة تغني الجميع عن التسول الذي يعد من الظواهر السلبية الممقوتة في كل المجتمعات المتحضرة، ولكن غالبية المتسولين غير سعوديين. وتعد ظاهرة التسول دخيلة على مجتمعنا السعودي الذي يحث على التكافل الاجتماعي وصلة الرحم والتعاون على البر والتقوى، وزادت بتخفي الوافدين تحت الزي الوطني موهمين المتعاطفين معهم بأنهم أبناء الوطن، وبالرغم من أن الجهات المسؤولة تبذل جهوداً كبيرة للحد من هذه الظاهرة من خلال حملات مكافحة بين الفينة والأخرى إلا أن ظاهرة التسول لا تزال تتصدر المشهد اليومي وتنشط في كل وقت وأهمها خلال شهر رمضان المبارك ما يستوجب العمل الجاد لمكافحة الظاهرة والعمل على دراسة الحالات المضبوطة كل حالة على حدة للتعرف على دوافع ومسببات التسول ومن يقف خلفها ويديرها. عصابات وافدة ولا تزال ظاهرة التسول منتشرة، ويؤكد ذلك ما تسفر عنه الخطط الأمنية التي تنفذها أقسام البحث والتحري بقوات المهمات والواجبات الخاصة بالشرط بكافة مناطق ومحافظات وقرى المملكة، وتسفر تلك الحملات عن القبض على متسولين ومتسولات من جنسيات مختلفة وفي أماكن وأحياء متفرقة من خلال تتبع تحركاتهم، ولكن هذه الحملات تأتي عقب تصاعد الشكاوى من كثرة وجود المتسولين والمتسولات في أماكن يوجدون فيها. وبعد متابعتهم لمعرفة أماكن وجودهم يتم تحديد المنازل التي يتم استئجارها لهم من قبل مديريهم وتتم مداهمتهم، وكثيراً ما تكشف التحقيقات مع المقبوض عليهم أن أعداداً كبيرة منهم يتم استئجارهم لغرض التسول وخاصة الأطفال والمعوقين وكبار السن والنساء، وأن هنالك علاقات تربط بعضهم مع بعض كما يعثر معهم على العديد من التقارير الطبية المزورة وصكوك الإعسار وغير ذلك من الطرق الملتوية لجذب عطف المحسنين ويعتبر القبض على مثل هذه المجموعات في وقت واحد دليلاً فادحاً على وجود عصابات منظمة تدخل للمملكة أو تتسلل لغرض التسول وخصوصاً مع قرب شهر رمضان من كل عام. وبالرغم من تواصل الحملات ضدهم إلا أنهم سرعان ما يغيرون تكتيكهم وخططهم لأن من يديرونهم عصابات متمرسة تشكل خطراً كبيراً على بلادنا من كافة النواحي الأمنية والسلوكية والاقتصادية. تعاطف سلبي وكثير ممن يقبض عليهم هم من المقيمين بصور غير شرعية في المملكة، ويشجعهم في التسول للأسف تعاطف أفراد المجتمع معهم، غير مدركين أن ما يحصل عليه المتسولون يقومون بتسخير مبالغ مالية أو عينية في تمويل أنشطتهم غير الشرعية التي تؤثر سلباً على أمن وسلامة مجتمعنا. علماً أن تعاطف المجتمع وتقديمهم الدعم المالي للمتسولين والباعة المتجولين من الأطفال يسهم في جعل المملكة بيئة جاذبة للمستفيدين من مخالفي نظام الإقامة ما يؤدي إلى زيادة استغلال الأطفال في هذا المجال وحرمانهم من أسرهم وحقوقهم في التعليم والصحة والعيش الكريم. فمن الواجب أن يدرك جميع أفراد المجتمع أن تهاونهم وتساهلهم في دعم وإيواء أو تشغيل مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود، باختلاف أعمارهم أو جنسهم أو جنسياتهم، أو التعامل معهم، يحمل المواطن أو المقيم مسؤولية أخلاقية وقانونية، إزاء المخاطر الأمنية والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن ذلك. وقرار نظام مكافحة التسول الجديد ينص على معاقبة المتسول بالسجن لمدة تصل إلى عام وغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال، ونص في مواده على أن يعاقب كل من امتهن التسول أو حرَض غيره أو اتفق معه أو ساعده على امتهان التسول، بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة مالية لا تزيد على 50 ألف ريال، كما يعاقب كل من امتهن التسول أو أدار متسولين أو حرَض غيره أو اتفق معه أو ساعده - بأي صورة كانت - على أي من ذلك ضمن جماعة منظمة تمتهن التسول، بالسجن مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال أو بهما معاً، ويبعد عن المملكة كل من عوقب من غير السعوديين - عدا زوج السعودية أو أبنائها - بعد انتهاء عقوبته وفق الإجراءات النظامية المتبعة، ويمنع من العودة للعمل فيها، وتضمن النظام معاقبة المتسول بمجرد القبض عليه للمرة الثانية أو أكثر وهو يمارس التسول. عيون المجتمع ولو حرصت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على القضاء على ظاهرة التسول لرصدت ما ترقبه عيون المجتمع من مخالفات للمتسولين في كل مكان، ولاستطاعت القضاء عليهم بأبسط الطرق. يقول المواطن حاسن الثقفي عبر تغريدة على تويتر: إنه مع اقتراب شهر رمضان لا تكاد تجد إشارة في شوارع جدة إلا وفيها عدد مهول من المتسولين الوافدين والذين يحملون معهم أطفالهم مستعطفين بذلك الناس، مضيفاً: "المحزن في الأمر أن هذا تحت مرأى من أعين الجهات المسؤولة وكأن جهاز مكافحة التسول في سبات عميق.. ويسأل أين تذهب تلك الأموال التي يجمعها المستولون؟". فيما قال المواطن محمد مبارك الهرش عبر حسابه: إنّ ظاهرة التسول تكثر مع اقتراب شهر رمضان لاستعطاف مشاعر الناس قبل رمضان، ويقول متذمراً: تعبنا ونحن نخاطب مكتب مكافحة التسول في بيشة ولكن لا حياة لمن تنادي.. أن لا يشاهدون تكاثرهم عند المساجد وعند أماكن الصرافات وعند المطاعم، منذ أشهر خاطبنا مكتب المكافحة وللأسف لم يتم التعامل مع المتسولين بل يزدادون". وغرد سلامة الجهني بقوله: " لا يكاد يمر يوم إلا ومتسول جديد يقف مباشرة بعد الصلاة يطلب المساعدة، وأغلبهم من جنسية واحدة، ناهيك عن المتسولات أمام أبواب الجوامع، كل هذا ومبنى إدارة مكافحة التسول لا يبعد عن أحد الجوامع أكثر من 600 متر". ظاهرة سلوكية ويرى عضو مجلس الشورى سعد العتيبي أن التسول يعد ظاهرة سلوكية سيئة، وتزايدها يقلل من فرص نجاح المشروعات التنموية التي تقوم بها الدولة في مجال التنمية الاجتماعية وبرامجها المختلفة، حيث يسهم التسول في تشويه الوجه الحضاري للمملكة وما ينتج عن ذلك من مخالفات وجرائم الاتجار بالبشر وتشغيل الأطفال والسرقات وتجارة المخدرات وتهريب الأموال وانتشار العمالة السائبة. وأكد العتيبي أهمية إشراك المجتمع في مكافحة ظاهرة التسول، باعتبار أن تعاطف أفراد المجتمع مع المتسولين هو أحد أهم عوامل استمرار هذه الظاهرة، وشدد على اشتمال النظام إجراءات واضحة لمرتكب التسول للمرة الأولى، نظراً لأن العقوبات التي تضمنها مشروع النظام ستكون لممتهن التسول (أي للمرة الثانية)، ودعا إلى اعتبار الظروف المخففة لحالات التسول التي تنشأ بسبب خارج عن إرادة الشخص، نظراً لأن السياسة الجنائية التي اتبعها مشروع النظام تقوم على تحقق جريمة التسول في حق الشخص بمجرد الاستجداء دون معرفة أسباب قيامه بذلك. كما طالب العتيبي بتضمين مشروع النظام تدابير احترازية أكثر تفصيلاً تراعي إصلاح الجاني وعلاجه وتغيير سلوكه وفقاً لمفاهيم السياسة العقابية المعاصرة. المسؤولية جسيمة والمواطن يحمل على عاتقه مسؤولية جسيمة باعتباره شريكاً لأجهزة الدولة المعنية في حفظ أمن وسلامة المجتمع، ومن واجبه التعاون معها في الإبلاغ عن المخالفات المرتكبة في تشغيل المخالفين أو إيوائهم، أو ممارستهم لأنشطة التسول، أو البيع في الشوارع والتقاطعات المرورية. والدعم الحقيقي الذي يمكن تقديمه للمتسولين والباعة المتجولين من الأطفال هو الإسهام في عودتهم إلى أسرهم من خلال عدم تقديم أي دعم مالي لهم وإبلاغ الجهات المعنية بالتعامل معهم لتوفير الرعاية اللازمة لهم وتسهيل عودتهم إلى عائلتهم وتأمين الاحتياجات اللازمة لذلك. علماً أنّ استغلال بعض أصحاب الأعمال للعمالة الموجودة في المملكة بشكل غير نظامي وخصوصاً الأطفال منهم لتشغيلهم في أعمال بمقابل مالي زهيد عمل غير أخلاقي وله آثار سلبية اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً على المملكة ويعرض ممارسيه للعقوبات المنصوص عليها نظاماً دون تهاون، والذي يؤكد أن أغلب المتسولين - إن لم يكن جميعهم - وافدون متخلفون ومخالفون أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لها إسهامات في مكافحة التسول. التوجيه والإصلاح وتهدف إدارة مكافحة التسول فيها إلى تحقيق أسس التوجيه والإصلاح السليمة للمتسولين السعوديين حيث توجه ذوي العاهات والعجزة إلى دور الرعاية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، ويحال المرضى إلى المستشفيات المتخصصة لتقديم الرعاية الصحية المناسبة لهم دون مقابل أما المحتاجون مادياً فتصرف لهم المساعدات المالية من الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية بعد دراسة حالتهم، كما يحال الصغار والأيتام الذين تنطبق عليهم لوائح دور التربية إلى هذه الدور حيث توفر لهم الإقامة المناسبة والتنشئة الاجتماعية السليمة، أما المتسولون الأجانب الذين يشكلون نسبة عالية من المتسولين فإن مهمة متابعتهم وإنهاء إجراءات ترحيلهم تعنى بها الجهات الأمنية المختصة. وتتنوع مكاتب مكافحة التسول وعددها 4، فهي تقوم بالآتي: استضافة المتسول السعودي المقبوض عليه من قبل اللجان الميدانية، وبحث حالة السعودي المقبوض عليه اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وصحياً، وتقديم الخدمات الاجتماعية الصحية والنفسية والاقتصادية له حسب احتياج كل حالة، والقيام بالرعاية اللاحقة للمقبوض عليهم من السعوديين. كما يوجد لدى مكاتب مكافحة التسول مكاتب المتابعة الاجتماعية وعددها (8) منها ما يهتم بصرف إعانات ذوي الاحتياجات الخاصة، ومتابعة الأطفال ذوي الظروف الخاصة لدى الأسر البديلة وصرف الإعانات للأسر الحاضنة. كما يقوم مركز رعاية شؤون الخادمات بالرياض باستقبال الخادمات الهاربات من منازل أصحاب العمل بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة المعنية الأخرى في المملكة وكذلك استضافة خادمات المنازل القادمات للعمل من خارج المملكة وتعاني بعض الظروف مثل عدم استقبال أصحاب المنازل لهن في المطارات والإشراف على رعايتهن اجتماعياً وصحياً وتقديم الخدمات الأخرى كالإرشاد والتوجيه والإعاشة والكسوة وإشغال وقت فراغ الخادمات بما يعود عليهن بالنفع من خلال البرامج والأنشطة لحين تسوية حقوقهن وإنهاء وضعهن من قبل الجهات الأمنية. كما تقوم مراكز الأطفال المتسولين الأجانب باستضافة الأطفال المتسولين الأجانب ما دون سن الثامنة عشرة وإيداعهم بالمركز الإيوائي بفرعيه الرجالي والنسائي وتقديم أوجه الرعاية المتكاملة لهم لحين التحقيق معهم من قبل الشرطة والجوازات وإنهاء أوضاعهم. وكل ما تم ذكره من جهود تقوم بها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إلا أنها تعد قاصرة بدون فرق مكافحة تعمل باستمرار ولديها أرقام تواصل سريعة لتمكين المبلغين من التواصل مع الحملات والفرق والكشف عن أماكن وجود المتسولين. النساء لاستجداء أهل الخير من يقف خلف هؤلاء المخالفين