بتهكم وضحك حد القهقهة امتزجت ضحكات الأخوين وصديقهم ابن الجيران وأخ ثالث خلف أسوار منزلهم مع كلمات توجيه فيها تعالٍ على أختهم حديثة العهد بقيادة السيارة والتي لا تزال تعاني صعوبة ركن سيارتها بالشكل الصحيح في المواقف المخصصة، فتختصر الوقت بطلب مساعدة ذلك الطفل الكبير ابن الأربعة عشر ربيعاً الذي سمح له العرف والتقاليد بممارسة حق القيادة منذ نعومة أظفاره ولم يخجل أحد أو يخشى نظرة الناس وهو يعلمه ويعده ويمهد له الطريق قبل موعد القيادة النظامية، وشيء في غبار تلك الأزمان لم يجعل الرؤية واضحة ما يكفي وإلا فبتركيز طفيف سيلاحظ المتابع للمشهد أن تلك المرأة وصلت منزلها بعد عناء ساعات العمل المضني وبيدها كيس الدواء لأمها الطاعنة في السن القابعة بالداخل، غير المأونة ولوازم واحتياجات البيت التي بالتأكيد لم يشعر بنقصها غيرها ولن يحضرها سواها. دخلت للتو وجابت بعينيها أرجاء البيت لتتمكن من رصد كافة التفاصيل المحتاجة للترميم والترتيب والتنظيف بعد أن تنهي تقديم واجب الرعاية التي تحتاجها والدتها لاسيما أن أولئك الذين كانوا يضحكون قبل قليل هم أنفسهم من عجزوا عن إعداد وجبة خفيفة تشبع تلك الأفواه الجائعة وظلوا منتظرين عودتها فما تتقاضاه بالكاد يسير الحال ولو أعرج ولا يمكنها أن تضيف عبء إحضار خادمة، ومع هذا بابتسامة رضا وقبول واعتراف بنعم رب العالمين تغير هندامها وتدخل المطبخ، وتواسي نفسها وتسري عنها فرحة قدرتها على أداء الدور مع أخوة صغار لا عائل لهم بعد الله إلا هي بعد وفاة والدهم الذي كان أحد ضحايا سوق الأسهم حيث كانوا يعيشون في كنفه في رغد عيش ولما فقد كل ما يملك لم يستطع قلب ذلك المسن تحمل الصدمة فسقط، وقد كان يشد على يدها ودون أن يقولها صريحة كانت نظرات عينيه ويده وهي تربت على يدها تكتب وصية وكأنه يحملها الراية من بعده ثم لفظ أنفاسه الأخيرة وفارق الحياة.