كانت البريطانية روز همفريز البالغة من العمر 64 عاماً، والتي تعمل في مجال النظافة على موعد مع مصادفة جمعتها بشقيقها بيل رايت، المتقاعد البالغ من العمر 70 عاماً، بعد غياب بينهما دام نصف قرن بالتمام والكمال برغم أنهما يعيشان جارين على مقربة من بعضهما البعض، والمسافة بينهما لا تزيد عن ميل واحد. وكانت لحظات اللقاء معبرة تقطع نياط القلب ليسدل بذلك الستار على الفصل الأخير من قصة مثيرة ومؤثرة بدأت أحداثها في منزل مكون من ثلاث غرف في وولفرهامبتون بمنطقة فرست ميدلاندز، ويعود تاريخها إلى عام 1940م، وهو ذات العام الذي ماتت فيه الأم آن رايت بداء الرئة تاركة وراءها زوجها جيم الذي كان يعمل احتياطياً في الجيش الملكي وأطفالهما الثمانية. ولم يتمكن الأب من تدبر أمر أطفاله بمفرده وتعهدهم بالرعاية الحقة، ولذلك قرر توزيعهم على أسر أخرى ليعيشوا معها على سبيل التبني. ووقتها، كان عمر بيل ست سنوات وتم إرساله ليعيش مع جدته آني هارنغتون، ولكنه لم يكن يدري اطلاقاً مصير اخوته واخواته الذين انفض سامرهم وتفرقوا فقد كان الوقت عصيباً وكانت الرؤية ضبابية نظراً لحالة الحرب التي كانت تمر بها البلاد. أما روس، وهي آخر العنقود، فقد كانت تعيش في كنف أسرة جاك وايفيلين بارنز اللذين غمراها بالحب والحنان وتكفلا بها فكانت طفولتها هانئة، وبرغم ان والديها جاك وايفيلين لم يخبرانها مطلقاً بأنها ابنتهما بالتبني، فقد كانت تشعر في قرارة نفسها بأن ثمة حلقة مفقودة في حياتها، فقد كانت تحلم ببيت في مجموعة من الاخوة والأخوات وتتخيل ذلك ولكنها لم تنبس ببنت شفة في هذا الخصوص مراعاة لشعور والديها بالتبني. ومن جانب آخر، كان بسيل يسعى سعياً حثيثاً لجمع ما تشتت من أمر الأسرة ولم الشمل. وقد ساعدته جدته في جهوده الدؤوبة التي توجت بلقائه بكل من جيمي وبن وهيلدا وبرندا وجيان وآلن.. وكان عمر بيل في ذلك الوقت 16 عاماً ولم تكن هنالك أي معلومات عن روز ولا أحد يعلم شيئاً عما حدث لها. أما روز، فقد تزوجت عندما بلغت سن الثامنة عشرة وأنجبت بنتاً أسمتها جين، ولم تدرك حقيقة أنها ابنة بالتبني إلاّ بعد شهرين من وفاة أمها بالتبني بعد صراع مع السرطان، ووقتها كانت في زيارة لأبيها فتوجهت إليه فجأة وبلا مقدمات لتسأله عما إذا كانت هي ابنتهما بالتبني. ووصفت روزماري مشاعرها قائلة: «عندما رد عليّ بالإيجاب لم أشعر بالغضب أو الحزن أو حتى الصدمة. وعندما سلمني أبي المستندات الرسمية الخاصة بالتبني وشهادة الميلاد، شعرت بالرضا التام فقد كنت دائماً أشعر في أعماق قلبي وقرارة نفسي بأنني متبناة». وبرغم ان والدها الذي تبناها أخبرها بأن أمها الحقيقية توفيت فهو لم يكن يدري ان لديها اخوة أو أخوات. ويظهر على شهادة ميلادها اسما أمها وأبيها، وكذا عنوانهما وقت ولادتها. ومع هذا فقد قررت روز عدم إقتفاء أثر أسرتها. وبعد ان انفصلت عن زوجها ووالد ابنتها جين في أواخر السبعينات من القرن المنصرم، انتقلت للعيش مرة أخرى مع والدها ولم يتطرقا اطلاقاً لموضوع التبني مرة أخرى إلى ان وافته المنية في عام 1979م. وبعد عام تزوجت روز من دهان السيارات إيرني مورتون البالغ من العمر 46 عاماً، والذي أبدى استعداده لمساعدتها على العثور على أفراد أسرتها ولكنها لم تأنس في نفسها الجرأة الكافية لقبول عرضه والتماس مساعدته. وعلى بعد ميل واحد، كان بيل يصل ليله بنهاره بحثاً عن شقيقته روز. ويشار إلى ان بيل الذي تزوج من ايريس عندما كان عمره 21 عاماً قد عمل في مجال الأشغال المعدنية وأصبح أباً لسبعة أطفال. وبما ان اخوته واخواته عهدوا إليه بمهمة البحث عن روز فقد أصبحت هذه المهمة تمثل هاجساً لديه فأجرى الاتصالات وكاتب مختلف الجهات وخاطب عدداً من وكالات التبني المحلية والخارجية تحسباً لاحتمال وجودها في الخارج ولم يفقد الأمل مطلقاً في العثور عليها. وذات صباح في شهر ابريل خطرت له فكرة ألمعية شرع في تنفيذها على الفور حيث قام بنشر إعلان في الصحيفة المحلية ذي وولفرهامبتون اكسبريس اندستار، ينشد فيه المساعدة على العثور على شقيقته روز ويناشد من يعثر عليها أو من لديه معلومات عنها ان يتصل به على العنوان المذكور في الإعلان الذي يشتمل أيضاً على العنوان المدرج في شادة ميلاد روز. وكانت روز تشاهد النشرة الإخبارية في التلفاز عندما جاء إليها زوجها إيرني وهو يحمل الجريدة وعليها الإعلان. وتسترجع روز شريط الأحداث لتصف تلك اللحظات قائلة: «كنت أرتعد وارتعش أثناء قراءة الإعلان» وأضافت تقول: «رفعت سماعة الهاتف بيدين راجفتين وكان الرد على الطرف الآخر بصوت زوجة بيل. وعندما أفصحت لها عن هويتي صعقت وذهلت وأخبرتني بأن بيل خرج من المنزل وأماطت اللثام أيضاً عن أنني من عائلة قوامها ثمانية أفراد فلم استطع الكلام من الدهشة. أما المفاجأة الأكثر إثارة للدهشة فقد حدثت عندما تبادلنا العناوين لاكتشف أنهم يعيشون على بعد ميل واحد من منزلنا وخلال ساعة واحدة، كان بيل وايريس على عتبة باب منزل روز ليضع حداً لبحث مضن استمر أربعة وخمسين عاماً. وتحدث بيل عن الإعلان قائلاً: «عندما أقدمت على نشر الإعلان في الصحيفة كنت أدرك ان فرص قراءته من قبل روز ضئيلة، وفي أحسن الفروض كان يحدوني الأمل بأن يوافيني أحدهم ببعض المعلومات عنها. لك ان تتخيل مدى دهشتي عندما اكتشفت أنها تعيش في نفس الشارع. لقد كانت قريبة منا طيلة هذه المدة. أنه أمر مذهل ومزعج». وبعد ان تعانق الأخوان طويلاً وتبادلا الأسئلة وتجاذبا أطراف الحديث قرر كل منهما عدم إضاعة أي وقت وسرعان ما تعرفت روز على بقية اخوتها واخواتها بيد ان العلاقة بين روز وبيل كانت علاقة خاصة وظلا يتصلان ببعضهما البعض كل صباح.