ما كان للتعلم أن يحدث صدفة في أي مجال من المجالات، إذ لا بد من مثال قويم ونموذج مؤثر لنقل الخبرات المتعلمة، لاسيما إذا كانت عملية، والقيادة من أكثر المجالات التي لا تأتي صدفة ولا بالتعلم النظري وحسب، بل يجب أخذها على يد قادة مميزين في القيادة. فالذكاء والفطنة وحسن التصرف والسرعة في موضعها، والتأني في موضعه من أهم صفات القائد، والتي غالباً ما نلحظها في تصرفات القائد وقراراته، وبناء على خبرة قيادية تجاوزت العشرين عاماً، ومن خلال الملاحظة والنظرة القيادية الناقدة يظهر أن الأسلوب العملي الأمثل لصناعة القادة؛ هو ملازمة القائد المُرشَّح لقائد متمكن حتى يستفيد من خبراته، لأن السائد في تعيين القادة مبني على الاختيار بحسب المؤهلات والخبرات أو بتزكية من قبل قائد سابق، وإنه لمن الضروري أن يلازم المؤهَّلُ للقيادة قائدا ناجحا ومتمكنا في قيادته؛ فيتلقى الخبرة العملية منه مباشرة عن طريق الملاحظة والمشاهدة وبمدة كافية، لأن التزكية والمؤهلات العالية وحدها لا تغني عن التجربة العملية المباشرة، فمهما بلغ المرشح للقيادة من العلم النظري المتقدم فإنه حين التطبيق الواقعي سيختلف الأمر معه تماماً. ولنا مثال جليٌّ في سيرة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، حيث كان أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قد لازما النبي عليه السلام يتعلمان حنكة القائد، وصبره، وحكمته وموازنته للأمور، واتخاذه للقرارات، ومعاملته مع كافة طبقات المجتمع؛ الغني والفقير، العالم والجاهل، القوي والضعيف، فلما توفي النبي الكريم خلفه أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - فكان خير خلف، وصدق فيه قول الشاعر حين مدحه قائلاً: تلميذ مدرسة النُّبوَّةِ والهدى خيرُ الأنام على التُّقى ربَّاهُ وكذا الخلفاء الراشدون الذين تخرجوا من مدرسة النبوة، فالمؤهل للقيادة قد يجد صعوبة في بداية طريقه إذا ما أوكلت إليه مهام القائد ما لم يدرب ويوجه، ويخطئ ثم يقوم..، ونلحظ ذلك على المستوى التربوي في مجال التعليم حيث يتم تحفيز الطالب لرفع مستواه التعليمي بأن نجلسه إلى جانب طالب متفوق؛ فالتعلم عدوى وهذا مثال واقعي؛ كذلك على مستوى القضاة نجد القاضي الحديث يلازم قاضيا أقدم منه في القضاء فترة من الزمن حتى يصل إلى مستوى يتقن فيه القضاء وبعدها يتولى القضاء بمفرده. لذا يلزم القائمين على تعيين قيادات جديدة في الهيئات والمنظمات والقطاعات على اختلافها سواء كانت حكومية أو أهلية، تحري الدقة في اختيار القيادات مع مراعاة الاعتبارات الأساسية في المؤهلات والخبرات والدورات المتخصصة في إعداد القادة، وأن يكلف المرشح للقيادة بملازمة قائد متمكن ومميز له خبرة وممارسة طويلة ليتعلم منه، ويأخذ خلاصة سنوات القائد المميز في القيادة ويختصر على نفسه وقت التعلم واكتساب الخبرة العملية، وبذلك نكون قد أعددنا قائداً يملك من الخبرات ما تجعله أهلا للقيادة.