} بعد مضي عشرة اعوام كاملة على الازمة التي نجمت عن الغزو العراقي للكويت، لا يزال السؤال معلقاً: هل يبقى النظام العراقي، هل يسقط، كيف الإطاحة به؟ لانهاء الازمة التي تسبب بها للعراق وشعبه، ولجيرانه وشعوبهم، وللعالم العربي والعرب عموماً. للاجابة عن هذا السؤال يلزم اولاً معرفة ما بلغه الوضع السياسي العراقي في الداخل، ويلزم ثانياً التعرف الى السيناريوات المحتملة والممكنة. تنشر "الحياة" مقتطفات من دراسة موسعة اعدها فريق من الباحثين المختصين في أحد مراكز البحوث والتحليل البريطانية. وهي تمثل في مدى دقتها او مصداقيتها درجات مختلفة محصورة ضمن مجالات المتوقع والمحتمل والممكن والاقل امكانية. كما تستعرض التطورات التي يمكن ان تقود الى حدوث تبديل في رأس السلطة او في القيادة السياسية في الدولة العراقية، او تبديل في طبيعة النظام السياسي ككل ومن ضمن ذلك التغيرات بكل اشكالها، سواء عديمة القيمة او الجزئية او الاساسية او الجذرية. هنا الجزء الاول الذي يعرض حقائق اساسية تساعد في فهم طبيعة النظام السياسي العراقي ومحاولة تحديد الاتجاهات المحتملة للتطورات المقبلة، وهي صيغت في ملاحظات متدرجة: - الملاحظة 1: ان ظاهرة العنف السياسي هي ظاهرة اساسية وتقليد راسخ في عملية التعامل السياسي في المجتمع العراقي، والعنف ظاهرة ملازمة لعملية التغيير السياسي في العراق، وانتقال السلطة باسلوب سلمي هو ظاهرة نادرة في تاريخ هذا البلد. ومن المتوقع ان تتجسد هذه الظاهرة بكل ابعادها وربما بأسوأ صورها في عملية انتقال السلطة من حكومة الرئيس صدام الى حكومة اخرى وفي ظل اي سيناريو من سيناريوات التغيير المحتملة. - الملاحظة 2: ان هدف الرئيس العراقي - الاساسي والوحيد - وبالذات منذ نهاية حرب تحرير الكويت، هو البقاء في السلطة بأي ثمن وفي اي ظرف من الظروف. ويعتقد الرئيس العراقي ان الظروف "العدوانية" التي تحيط بالنظام قابلة للتغير والتحسّن - جزئياً او كلياً - اذا استطاع النظام الاحتفاظ بالسلطة لفترة زمنية كافية تقود معارضيه في الداخل والخارج الى حالة اليأس وعدم الفعالية، وتجبر الدول المجاورة والمجتمع الدولي على القبول بالامر الواقع واعادة التعامل مع النظام بشكل تدريجي وربما غير علني. كما يعتقد الرئيس العراقي ان العراق دولة مهمة وحيوية لا يمكن الاستغناء عنها - من جانب دول الجوار او الدول الغربية - لفترة طويلة لاسباب استراتيجية وسياسية واقتصادية، وهناك مصالح متبادلة لا يمكن اغفالها او تجاوزها. يضاف الى ذلك اعتقاد الرئيس العراقي ان عامل الزمن قادر على ازالة القيادات السياسية وتبديلها في دول المنطقة والدول الكبرى بوسائل ديموقراطية او طبيعية وبالذات القيادات التي تتبنى مواقف معادية للنظام - مدفوعة بموقفها السلبي بعداء سياسي وايديولوجي او لمصلحة محددة - وان تطور "بيئة" اقليمية ودولية اقل عدوانية للنظام أمر حتمي في المستقبل المنظور. - الملاحظة 3: ان عامل فقدان الشعبية والتأييد الداخلي للنظام بين ابناء الشعب العراقي، وفقدان سيطرة النظام السياسية والامنية على جزء او اجزاء معينة من الدولة وبالذات المنطقة الكردية، هي عوامل تضعف من قوة النظام وهيبته، لكنها ليست بالضرورة عوامل اساسية تقود الى سقوط النظام. فطالما ان النظام قادر على السيطرة الفاعلة على العاصمة وعلى مناطق الوسط والجنوب - خصوصاً مناطق انتاج النفط - فإن التهديد لقدرة النظام على البقاء ستكون محدودة وغير فاعلة، خصوصاً في ظل قدرة النظام على السيطرة وامتلاك قوة عسكرية مهما صغر حجمها ذات ولاء كامل للنظام وتمتلك الفاعلية والقدرة على التحرك والعمل السريع لمعالجة حالات الطوارئ الامنية التي قد تهدد النظام ومنعها من الانتشار الجغرافي او الامداد الزمني ما يؤدي تطورها الى تمرد واسع او ثورة ضد النظام. - الملاحظة 4: ان النظام قادر على البقاء والصمود في ظل ظروف المقاطعة الدولية والازمة الاقتصادية. فالتطور التدريجي لحالة المقاساة ادى الى تعوّد الشعب على التعامل مع المأساة والتأقلم الاجباري والتدريجي مع الواقع الاليم. تضاف الى ذلك حالة اليأس من امكان حدوث تغير سياسي او وجود اي معارضة فاعلة للنظام في داخل البلد او خارجه. ثم انه رغم الضعف النسبي للنظام فانه لا يزال يمتلك قدرة ارهابية فاعلة قادرة على فرض عقاب فوري وصارم لكل من يمتلك جراءة التحدي أو التمرد. ويمكن قياس نجاح النظام في التعايش والتعامل مع حال الحصار الدولي والازمة الاقتصادية من ادراك الحقيقة انه على رغم مرور عشرة اعوام على فرض المقاطعة والحصار الشامل المفروض على الدولة والمقاساة التي يعاني منها الشعب العراقي في تأمين حاجات ومتطلبات المعيشة الاساسية فإنه حتى الآن لا توجد أدلة تؤكد تطور حالة المعاناة المعيشية او ترجمة الازمة الاقتصادية الخانقة في الشارع العراقي - مع استمرار حالة التدهور المستمر الى ازمة امنية او تمرد سياسي عفوي او منظّم يشكلان تهديداً لاستقرار النظام او قدرته على البقاء. - الملاحظة 5: ان الاسلوب الذي تبناه الرئيس العراقي منذ توليه السلطة في التعامل مع ظاهرة الانقسامات القومية والطائفية والدينية الراسخة تاريخياً في المجتمع العراقي قد عمّق وعزّز بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث للدولة العراقية هذه الانقسامات ضمن المجتمع العراقي. ونتيجة لذلك تحول التعايش والتوافق النسبيان اللذان كانا سائدين منذ قيام الدولة العراقية المستقلة اوائل العشرينات بين الطوائف المتعددة التي تشكل التركيبة الرئيسية للمجتمع العراقي، الى صراع ومنافسة واضطهاد فئة لفئة اخرى وتجسد ظاهرة الحقد الطائفي والقومي بشكل ملحوظ. هذا الاسلوب قاد الى احياء وتصاعد الطموحات السياسية لدى كل فئة على حدة. لذلك فإن التنافس الطائفي والقومي قد يكون له تأثير خطير في عملية التغيير السياسي المستقبلي في العراق. فعملية سقوط النظام الحالي، او تطور حال صراع على السلطة ضمن القيادة الحالية او البديلة، ستعتبر فرصة ذهبية امام القيادات الدينية والسياسية للطوائف التي قاست من ظاهرة الاضطهاد السياسي الحقيقي او المتصور لفرض واقع جديد واحداث تغييرات جذرية في الخريطة السياسية او الجغرافية التقليدية للدولة العراقية. الملاحظة 6: ان الدرجة العالية من الاضطهاد والارهاب التي مارسها حكم البعث منذ استيلائه على السلطة عام 1968، خصوصاً منذ تولي الرئيس صدام زمام السلطة المباشرة، قد تجاوز كل حدود المقبول حتى في مجتمع يعد العنف السياسي جزءاً من تراثه كالعراق. وكانت النتيجة المباشرة لممارسة هذه الدرجة العالية من الارهاب الداخلي تعميق ظاهرة الحقد ضمن المجتمع العراقي، بكل اشكاله، الحقد الشخصي والطبقي والطائفي والقومي والديني. ففي حالة انهيار النظام فإن هذه الاحقاد قد تترجم الى اعمال عنف وثأر وانتقامات، ما يزعزع الاستقرار السياسي للدولة ويهدد امنها ووحدتها الوطنية. - الملاحظة 7: ان السلطة الحقيقية والقيادة السياسية والعسكرية او الجزء الاساسي منها في العراق، منذ تأسيس الدولة العراقية المعاصرة، كانت ولا تزال حكراً او ما يقارب ان يكون كذلك على فئة محددة من السكان وهي فئة العرب السنّة من السكان. وهي الفئة التي كان لها دور اساسي في ادارة العراق العثماني ، ثم اصبحت الوريث المباشر والمؤهل ادارياً وثقافياً لادارة دولة العراق المستقل بعد انهيار الدولة العثمانية. وكان كيان الدولة الحديثة قد أسس بجهود مشتركة من كل طوائف الشعب العراقي، ولكن ضمن هذا الاطار تولى عناصر العرب السنّة المناصب الرئيسية في الدولة والقوات المسلحة. ومنذ اعلان قيام الدولة العراقية عام 1921 وحتى عام 1968 شاركت عناصر من الطائفة الشيعية مشاركة فعلية في السلطة السياسية والادارية، وتمتع الاكراد او ما يسمى بفئة الاكراد المستعربين بمناصب مهمة في قيادة الدولة والقوات المسلحة العراقية. ولكن رغم هذه المشاركة الفعلية في السياسة والجيش للطائفة الشيعية والكردية بقي الاعتقاد باحتكار فئة العرب السنّة لمواقع السلطة الحقيقية في الدولة خصوصاً الجيش والاجهزة الامنية. وقد عزّز نظام الرئيس صدام منذ توليه السلطة احتكار فئة العرب السنّة للمناصب الحساسة في الدولة. في ظل هذه الحقيقة قد يؤدي سقوط النظام الحالي الى محاولة انهاء حال الهيمنة التقليدية لفئة العرب السنّة على المواقع الرئيسية في هيكل السلطة السياسية في العراق. - الملاحظة 8: كان الجيش، ولا يزال، الاداة الرئيسية القادرة على احداث او قيادة عملية التغيير السياسي في العراق. وكانت قيادة الجيش وكبار ضباطه، وسيبقيان، المصدر الرئيسي المحتمل لإفراز القيادة المستقبلية البديلة في الدولة. وهذا الامر قد يعزّز الاعتقاد باستمرارية هيمنة فئة العرب السنّة على زمام السلطة الاساسية في الدولة لفترة "ما بعد صدام". وهناك اعتقاد راسخ ووعي عام ضمن حلقات كبار الضباط - من العرب السنّة - ان فئات شيعية منظمة او غير منظمة/ بدعم خارجي او بدونه ستقوم - او تحاول القيام - بعمليات تمرد وثورة لاستغلال الظروف غير الطبيعية التي ستنتج من عملية تغيير النظام. ولكن في المقابل هناك ثقة اكيدة ضمن قيادات الجيش العراقي بقدرة وحدات الجيش والامن على القضاء وبسهولة على هذا النوع من التمرد. وكانت سهولة عملية القضاء على الانتفاضة في الجنوب في اعقاب حرب تحرير الكويت عام 1991 اعطت القيادة العسكرية الثقة والاستعداد لمعالجة هذا النوع من التطور في حال حدوثه. وتتبنى القيادة العسكرية الاعتقاد بأن مصدر التهديد الفعلي ينحصر بثلاثة: الاول هو قيام انتفاضة محلية في المناطق الجنوبية وربما في مناطق معينة من العاصمة بغداد. وهذا ما يمكن في اعتقادهم السيطرة عليه واخماده بالوسائل العسكرية. والثاني هو التهديد الخارجي الايراني المباشر تسلل وحدات من الحرس الثوري الايراني عبر الحدود الجنوبية او غير مباشر تسلل عناصر الميليشيات العراقية التي تم تدريبها واعدادها في ايران ضمن تشكيلات المعارضة العراقية. اما الاحتمال الثالث فهو يجسد الاحتمالين السابقين معاً اما في آن واحد او بصورة متتابعة ومتلاحقة. وفي ظل احتمال التدخل الخارجي تبقى القيادة العسكرية العراقية مالكة القدرة على معالجة الامر. ولكن هنا يجب ان يظهر دور الدول الغربية وبالذات الولاياتالمتحدة الاميركية وربما بعض الدول الاقليمية لردع التدخل الايراني - ملاحظة 9: ان افضل وحدات الجيش العراقي وقواته المسلحة عدةً وتدريباً واستعداداً مخصصة - بشكل رئيسي - لحماية النظام وليس لحماية الدولة. وتتمركز بشكل رئيسي في المركز السياسي للنظام في العاصمة بغداد. وهذا يعتبر سلاحاً ذا حدين لكون هذه الوحدات قوات الحرس الجمهوري وقوات الحماية الخاصة الاخرى التي تلعب الدور الحاسم في حماية النظام قادرة كذلك على لعب دور حاسم في اسقاط النظام. وتم تشكيل هذه الوحدات على خلاف التركيبة العرقية والطائفية التقليدية التي امتاز بها الجيش العراقي منذ تأسيسه/ والتي تتمثل بكون طبقة الضباط وبالذات طبقة الضباط الامراء - مشير، فريق، عميد - ثم طبقة الضباط القادة - زعيم، عقيد، مقدم ينتمي افرادها الى طائفة العرب السنّة وبعض الاكراد، ولا سيما قادة الوحدات الفاعلة والمقاتلة. بينما يسود ابناء الطائفة الشيعية الغالبية العظمى من طبقة الجنود والمراتب الاخرى ويوجدون ضمن طبقة صغار الضباط والضباط الاعوان رئيس اول فما دون - وبالذات في المناصب غير الحساسة وغير الفاعلة مثل المناصب الادارية والخدمات. وقام النظام، منذ سنوات عدة، بتشكيل وحدات حماية النظام من عناصر العرب السنّة وبشكل يكاد يكون حصراً - وهذا يشمل جميع مراتب المستخدمين في الوحدات المهمة - من الجنود والمراتب حتى الضباط والامراء والقادة. - ملاحظة 10: حزب البعث "الحاكم" لم يعد مؤسسة تتمتع بأي نفوذ سياسي مؤثر في عملية ادارة السلطة في الدولة العراقية. ومنذ تولي صدام حسين منصب رئيس الجمهورية بدأت عملية تدريجية ومنسقة للقضاء على الحزب كمؤسسة مشاركة في السلطة ولتجريده من كل استقلالية او نفوذ. وتم تحويل الحزب عملياً الى مجرد مؤسسة امنية واستخباراتية تعد الاكبر والاوسع في البلد، واجبها الرئيسي هو الحفاظ على امن وسلامة النظام ومراقبة الشعب وتطبيق تعليمات القيادة من دون اعتراض او مناقشة. وليس من المحتمل بقاء الحزب بشكله الحالي في حال سقوط النظام. وعلى الجانب الآخر ليس لمجلس قيادة الثورة نظرياً اعلى سلطة تشريعية في الدولة اي نفوذ فعلي او مؤثر. وقد تحوّل المجلس - خصوصاً منذ تولي الرئيس صدام منصب الرئاسة - الى مجرد مؤسسة استشارية يعبر اعضاؤه عن آرائهم بحدود ما يسمح به الرئيس شخصياً. ولن يكون للمجلس دور فاعل في عملية التغيير السياسي الا في ظروف معينة ولفترة قصيرة وانتقالية يتم بعدها الغاء المجلس او حلّه من جانب القيادة الجديدة. ولا يستبعد بروز شخصيات معينة بصفتهم الفردية من قيادات الحزب، او مجلس قيادة الثورة، قادرة على لعب دور ما في مرحلة ما بعد صدام. - الملاحظة 11: على رغم "الطبيعة الهرمية" التي يتصف بها النظام السياسي في العراق الرئيس صدام على قمة هرم السلطة - بدون منازع - ثم نزولاً الى اجهزة واعضاء القيادات الاخرى فإن النظام السياسي العراقي يعد من الانظمة الفريدة التي تخلو من "التكتلات القيادية" التي يعوّل عليها عادة في دول العالم الثالث لإحداث تغييرات سياسية او لتقديم قيادات بديلة. ويعود السبب الرئيسي لذلك الى مبدأ تبناه صدام منذ يومه الاول في السلطة، وهو نابع من تجاربه الشخصية السابقة والواسعة في عمليات التآمر او عمليات كشف التآمر المضاد. والمبدأ هو: منع وتحريم كل انواع الاتصالات "الافقية" بين الاعضاء القياديين في النظام وضمن هرم السلطة، وحصر الاتصالات والمناقشات بنظام الاتصال "العمودي" المحصور بشخص الرئيس ذاتياً. وادى هذا الاسلوب عملياً الى منع اي عضو قيادي في المؤسسات السياسية والعسكرية والامنية من مناقشة اي موضوع ذي طبيعة سياسية مع اي عضو آخر من القيادة او خارجها واي نوع من تبادل الآراء يجب ان يكون عبر شخص الرئيس او بتكليف خاص، او بموافقة صريحة من شخص الرئيس، او بحضوره الشخصي لعمليات المناقشات وكتابة تقارير شاملة ومفصلة عن اي عملية تبادل آراء بين الاعضاء القياديين. وقد كُلفت الاجهزة الامنية المتعددة التابعة لرئاسة الجمهورية بمهمة التطبيق الصارم لهذه السياسة وفرض رقابة شديدة على كل اعضاء القيادات للتأكد من الاحترام الكامل لها. ويتم اعتبار اي اتصال "افقي" بين اعضاء القيادة - من دون اذن مسبق وصريح من شخص الرئيس - جريمة تآمر على النظام وامن الدولة تستحق اقسى انواع العقاب. - الملاحظة 12: النجاح الملحوظ للرئيس صدام في منع قيام تكتلات سياسية ضمن الهيكل القيادي في السلطة، قاد الى تبلور نوع آخر من الولاءات هدفه المساعدة على تعزيز سلطته الشخصية ونفوذ العائلة ضمن اجهزة السلطة الرئيسية. ويقوم هذا الاسلوب "البديل" على السماح لافراد العائلة المباشرة للرئيس بكسب الولاءات "الشخصية" للضباط الكبار في المؤسسات العسكرية والامنية، وبقيام ما يمكن وصفه ب"الجماعات"، وتمثل كل منها مجموعة من الاشخاص معظمهم من فئة العرب السنّة تم تعيينهم في مناصب امنية او عسكرية حساسة بترشيح وتزكية من احد افراد العائلة الرئيسيين الذي يضمن عبر العلاقة الشخصية مع متولي المنصب ولاءه للنظام ولشخص الرئيس. - الملاحظة 13: عدم وجود توافق او وحدة ضمن العائلة المباشرة للرئيس صدام، او ضمن العائلة التكريتية الواسعة، بل وجود ظاهرة صراع وتنافس عميق ودموي على كل المستويات. والامثلة الداعمة لهذا الافتراض متعددة، فخلال السنوات القليلة الماضية ظهر عدم توافق وصراع واسع وعنيف ضمن عائلة الرئيس، ومثاله خلافات بين ابني الرئيس عدي وقصي وخلافات ابنائه خصوصاً ابنه البكر مع اعمامه - من ضمنها محاولات الاعتداء الفعلي او التهديد بالاعتداء على الحياة الاخوة غير الاشقاء للرئيس برزان ووطبان وسبعاوي… ثم عملية تمرد وتصفية حسين كامل وعائلته… وعلى المستوى الآخر وخلال العقود الماضية قام الرئيس صدام بعمليات التصفية الجسدية - المعلنة وغير المعلنة - لعدد كبير من الشخصيات التكريتية المعروفة واتهام عدد كبير منها بالتآمر على النظام. لذا فان الكلام عن العائلة "الحاكمة" - عائلة الرئيس او العائلة التكريتية الواسعة - كقوة متحدة قابلة على العمل في حال اختفاء الرئيس صدام والتعامل مع اي نوع من التهديد قد يكون افتراضاً غير واقعي. - الملاحظة 14: ان السلطة الاساسية والوحيدة التي يقوم عليها النظام في العراق هي سلطة الرئيس صدام حسين الشخصية، وهي مصدر كل السلطات في الدولة وبالذات هي المصدر الوحيد للسلطات المحدودة التي يمارسها اقطاب النظام، والمصدر الاساسي لسلطة الرئيس هو قدرته الارهابية الشخصية غير العادية. فالنفوذ والسلطة اللذان يمارسهما اقطاب النظام - وبالذات افراد عائلة الرئيس - ليسا سلطة اصيلة او شخصية بل هما امتداد لسلطة الرئيس التي تمارس بموافقة منه سلطة مستمدة. وفي حال اختفاء الرئيس فان السلطات والنفوذ اللذين يتمتع بهما اقطاب العائلة سيزولان فور زوال الرئيس. ومن المحتمل عدم الاعتراف او الاقرار بأي سلطة لأفراد العائلة في حال غياب الرئيس، وقيام عملية تحد من اعضاء المؤسسات العسكرية او السياسية، خصوصاً في ظل حقيقة ان افراد عائلة الرئيس ابناء، اشقاء، واولاد عمومة لا يتمتعون بسمعة طيبة او بأي درجة من الاحترام، ما سيجعل عملية التخلص منهم - بعد غياب الرئيس - اجراء يتمتع بشعبية واسعة. - الملاحظة 15: ان أحادية السلطة وتشخيصها الفعلي في يد الرئيس تقابلها تعددية في الاجهزة الامنية والمؤسسات العسكرية، المستقلة تماماً او شبه المستقلة. ويمثل هذا المبدأ احد دعامات النظام الرئيسية وأحد العوامل المساعدة على الاحتفاظ بالسلطة. يقوم المبدأ على فكرة ان امن النظام يستوجب تعدد اجهزة الحماية ولكن تحت ظل مبدأ احادية الولاء والسيطرة. وعلى مدى سنوات قام النظام ببناء هياكل عدة امنية وعسكرية مستقلة، فعلى الجانب الامني يمتلك النظام ما لا يقل عن ستة اجهزة امنية واستخباراتية رئيسية واجهزة حماية شخصية تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية. وهذه الاجهزة تتولى القيام بمهمة واحدة بشكلها العام وهي مهمة حماية النظام وحماية اشخاص النظام. والمرجعية الرئيسية والعليا لهذه الاجهزة هي شخص الرئيس صدام حسين اما بشكل مباشر عبر اتصال مسؤولي وضباط هذه الاجهزة بالرئيس شخصياً او تليفونياً وفي بعض الحالات القليلة والنادرة كتابياً لاستلام الاوامر والتعليمات او لايصال التقارير السرية، او الاتصال بالرئيس عبر ابنه الثاني قصي الذي يقوم بعملية التنسيق للشؤون الامنية منذ سنوات عدة. ويتمتع مسؤولو الاجهزة الامنية بامتيازات خاصة كبيرة تفوق امتيازات الوزراء وحتى المسؤولين الرئيسيين في جهاز الدولة، ولهم الحق في الاتصال بشخص الرئيس في اي وقت. ويقوم عمل هذه الاجهزة على "التنظيم والاتصال العموديين"، والمرجعية الرئيسية هنا هي شخص الرئيس مع التحريم الكامل لأي عملية اتصال او تنسيق افقي بين مسؤولي الاجهزة من دون موافقة مسبقة وعلم كامل من شخص الرئيس بشكل مباشر او عبر ولده قصي. ويقوم الرئيس بمسؤولية توزيع المهمات على الاجهزة الامنية. ومن النادر ان يتم تكليف اكثر من جهاز امني واحد بأكثر من مهمة واحدة في آن واحد. وتقوم عملية التنظيم العمودي على ضمان قيام الاجهزة الامنية المتعددة بمراقبة بعضها بعضاً واعلام الرئيس، ضمن مفهوم التنافس بين الاجهزة لكشف عمليات التآمر واثبات الاخلاص والولاء لشخص الرئيس... وتم اتباع نظام تعدد الاجهزة ذاته مع احادية المرجعية والولاء ولكن على نطاق اضيق في تنظيم مؤسسات القوات المسلحة. اذ رسْخ عملياً ومنذ زمن طويل، الفصل الكامل بين المؤسستين الرئيسيتين في القوات المسلحة، قوات الجيش النظامي وقوات الحرس الجمهوري التي تم توسيعها لتشكل جيشاً كاملاً ومستقلاً قادراً على ادارة عمليات حربية بشكل فردي وفاعل. - الملاحظة 16: قام الرئيس صدام، منذ لحظة توليه السلطة، بالالغاء الفعلي والعملي غير الرسمي لمنصب وسلطة "الرجل الثاني" وهي الصفة التي تمتع بها هو شخصياً لسنوات طويلة قبل توليه الفعلي والرسمي لمنصب رئيس الجمهورية خلال فترة رئاسة احمد حسن البكر. فعلى الرغم من الوجود الرسمي لمنصب نائب الرئيس ومناصب نائب رئيس الوزراء إلا ان احداً ممن تولوا هذه المناصب الرسمية يمارس اي سلطة فعلية. - الملاحظة 17: هناك اعتقاد سائد بين افراد القيادة العراقية، وعلى كل مستوياتها - ضمن عائلة الرئيس المباشرة والعائلة الموسعة وكذلك افراد النظام في الحزب والدولة - بأنه في حال سقوط النظام الكامل ستتم عملية انتقام واسعة، وربما ابادة جماعية لكل عناصر النظام ومن الجائز ان تشمل عوائلهم، ففي افضل الاحوال ستتم عملية حساب وعقاب واسعة وعسيرة قانونياً او عشوائياً. لذلك يعمل اقطاب النظام لتجنب الانهيار الكامل، ففقدان السلطة خصوصاً في دولة مثل العراق يعني في معظم الاحوال فقدان الحياة والثروة والانتحار الجماعي. لذا فمن المحتمل ان يحاول افراد العائلة انقاذ النظام من الانهيار في حال اختفاء الرئيس، انطلاقاً من الرغبة الطبيعية لدى كل انسان في البقاء والدفاع عن النفس. - الملاحظة 18: ان الايمان بمصير الانتحار الجماعي سيقود اقطاب النظام، على كل المستويات الى مقاومة مستميتة لاي تهديد او محاولة للاستيلاء على السلطة من عناصر خارج هيكل النظام. وفي حال ضعف سلطة الرئيس لأي سبب من الاسباب سيكون هناك استعداد من عناصر السلطة في العائلة المباشرة او الواسعة، وكذلك ضمن مؤسسات النظام الاخرى، للتعاون لدعم عمليات "الانقلاب الداخلي" ضمن قيادات النظام املاً في تأمين درجة محددة من الامان الشخصي والعائلي لغالبية عناصر النظام، وتجنب عمليات العقاب والتصفية الجماعية والعشوائية. - الملاحظة 19: منذ عملية غزو الكويت وخلال الفترة اللاحقة لها فقد صدام حسين وبشكل اساسي تأييد طائفة العرب السنّة المتنفذة في الجيش والاجهزة الامنية، وفقد كذلك تدريجاً تأييد الغالبية العظمى من العوائل التكريتية التي يتولى افرادها المناصب الحساسة في وحدات الحرس الجمهوري والاجهزة الامنية الخاصة. وفي حال ظهور دلائل على ضعف السلطة الشخصية لصدام فان معظم هذه الفئات سيكون مستعداً للتخلي عنه والمساهمة في عملية اسقاطه. - الملاحظة 20: ان عملية اسقاط النظام لن تتم - اساساً - الا بعمل داخلي وذو طبيعة عسكرية بحتة. فنظام الرئيس صدام حسين - رغم الضعف النسبي الملحوظ والتآكل التدريجي للسلطة والسيطرة والهيبة - لم يصل حتى الوقت الحاضر الى درجة الضعف الكافية لاسقاطه بعمل ناجح او محدود المخاطر. والعمل الناجح، او افتراضاً العمل ذو النصيب المعقول من النجاح يحتاج الى توافر عوامل وظروف عدة في آن معظمها داخلي وليس خارجياً - عامل الحظ والصدفة احدها - ورغم ان ظاهرة الولاء الطوعي، لشخص الرئيس خصوصاً، وللنظام عموماً اصبحت معدومة - او تكاد تكون كذلك - فإن القدرة الارهابية المتمثلة في شخص الرئيس لا تزال عاملاً اساسياً وفاعلاً في قدرته على ضمان درجة كافية من الولاء والطاعة تصون النظام ضد عمليات التحدي والتآمر. وعلى الاغلب فان حركة المعارضة العراقية في المنفى لن يكون لها دور اساسي او مهم في العملية الفعلية لاسقاط النظام - وربما لن يكون لها اي دور يذكر. كذلك، لا يتوقع ان يلعب اقطاب المعارضة في المنفى دوراً مهماً في نظام ما بعد صدام، او في الادارة الفعلية لشؤون الدولة تحت ظل نظام سياسي جديد - وفي افضل الاحوال قد تتم الاستعانة بشخصيات معينة ولفترة انتقالية محددة. - الملاحظة 21: ان التهديدات والتحديات الفعلية او الوهمية التي تعرض لها نظام البعث منذ وصوله الى السلطة، وخلال اكثر من ربع قرن من الزمن، كان مصدرها الاساسي "تآمر" عناصر عسكرية او مدنية ينتمون في الغالب الى طائفة العرب السنّة. وكانت مشاركة ابناء الطائفة الشيعية والكردية محدودة او معدومة، وان حصلت فلم تكن بصفة طائفية او عرقية واضحة بل على الاغلب، بصفة شخصية بحتة. وضمن هذا الاطار كان لافراد من العائلة التكريتية الموسعة دور ملحوظ في هذه العمليات. وكانت النشاطات المعارضة للمجموعات الاخرى - من غير العرب السنّة - تتمثل في عمليات التمرد والانتفاضة الشعبية في الجنوب او الشمال - معظمها غير منظّم وذو صفة وقتية. - الملاحظة 22: ان طبيعة النظام السياسي في العراق لمرحلة ما بعد صدام ستتجسد بشكل نظام موالٍ للغرب وذي نزعة ودية خاصة تجاه الولاياتالمتحدة الاميركية والمصالح الاقتصادية والاستراتيجية الاميركية. وليس من المحتمل ان يتمكن نظام بديل لنظام الرئيس صدام من البقاء او الاستقرار في السلطة في حال تبنيه سياسة معادية للغرب. - الملاحظة 23: منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 وتولي نظام ثوري ديني يتبنى المذهبية الشيعية كأساس ايديولوجي وسياسي ويؤمن بمبدأ تصدير الثورة، نما شعور عميق وربما مبرر في عقلية النخبة الحاكمة من فئة اهل السنّة العرب - في الدولة والجيش - بوجود تهديد جدي من احتمال تكرار التجربة الايرانية في العراق وقيام حكومة شيعية متطرفة في بغداد ترتبط بالنظام الايراني، وتمتع هذا الاعتقاد الحقيقي او الوهمي بدعم من الدول الغربية وبعض الدول الاقليمية. لذلك تبنت الحكومة العراقية بين عامي 1980 و1990، وخلال عقد كامل من الزمن، سياسة متشددة وغير انسانية في بعض جوانبها هدفها منع قيام اي نوع من التنظيمات السياسية - المذهبية الشيعية المستقلة او المرتبطة خارجياً واتخذت اجراءات واسعة قانونية وغير قانونية للقضاء على كل معالم وانواع النفوذ والارتباط الايراني التاريخي بالعراق، خصوصاً ضمن المجتمعات الشيعية في العراق، كما تبنّت سياسة قسرية لتأكيد الهوية العراقية والعربية للسكان الشيعة... هناك رأي آخر يعارض هذا الافتراض، ويؤكد ان ظاهرة تعزيز الهوية الوطنية والقومية أو تغليبها على الهوية الطائفية كانت ناتجاً ظاهراً ووقتياً فقط، ويعود السبب في عدم قيام تمرد او عصيان واسع النطاق وعملية تقلب الهوية الوطنية الى عامل القدرة الارهابية والعقابية والردعية التي يتميز بها النظام. ولا تعكس ظاهرة الولاء والمشاركة، التي تجسدت خلال فترة الحرب ضد ايران، الواقع الحقيقي لموقف غالبية افراد الطائفة الشيعية في العراق. وفي حال ضعف او زوال القدرة الردعية للنظام الحالي او المستقبلي، فان الموقف سيكون معرضاً للتغيير التام خصوصاً في ظل احتمال تدخل ايراني ديني بشكل فتاوى من رجال الدين في ايران او تدخل سياسي او حتى دعم عسكري او لوجستي... وجاءت حركة "الانتفاضة" في الجنوب في آذار مارس 1991 - على اثر انتهاء حرب تحرير الكويت - بدروس وتجارب جديدة للنخبة الحاكمة. إذ ادركت القيادة اولاً حقيقة نجاح سياستها في القضاء على كل انواع التنظيمات السياسية والمذهبية الممثلة للطائفة الشيعية... الحقيقة الاخرى، التي تم ادراكها هي ان الطموحات السياسية للطائفة الشيعية في السيطرة على السلطة في العراق لم يتم القضاء عليها بشكل كامل، وربما لا يمكن القضاء عليها. الملاحظة 24: في صراع حركات المعارضة القومية الكردية الطويل ضد الحكومات المركزية في بغداد ظهرت حقيقة ثابتة هي ان الحركات الكردية لا تمتلك القدرة او القوة الذاتية وتعتمد قوتها او قدرتها التأثيرية في صراعها ضد الحكومة المركزية او في الصراع الداخلي ضمن الحركة الكردية نفسها على نظام التحالفات... واثبت الزمن والتجارب الطويلة عدم ديمومة او ثبات نظام التحالفات الذي تتبناه الحركات الكردية... يتوقع ان تلعب الحركات الكردية المعارضة دوراً قد يكون مهماً في عمليات التحالف مع السلطة المركزية او مع معارضيها، او مع من يتولى زمام السلطة في المستقبل. وفي حال تطور صراع على السلطة في بغداد او في حال سقوط النظام وقيام حال فوضى فان نشاطات الفئات الكردية المسلحة ستتركز على نوعين رئيسيين من الفاعليات العسكرية: الاول، اشعال الاقتتال الداخلي ضمن الحركة الكردية. وهدف هذا النشاط هو محاولة كل فئة استغلال الظروف غير الطبيعية التي تمر بالبلاد وفرض ارادتها وسيطرتها كممثل وحيد وفاعل ضمن المنطقة الكردية خلال هذه الفترة الحرجة. واذا استطاعت. والثاني، قيام الفئات الكردية المسلحة بهجوم عسكري على منطقة كركوك والمناطق المجاورة الاخرى ومحاولة استغلال الازمة والصراع في العاصمة لاحتلال وفرض السيطرة على ما يسمى ب"المناطق المتنازع عليها" وهي المدن والقرى التي تدعي القيادات الكردية على اختلاف انتماءاتها انها اجزاء من المنطقة الكردية التي استثنيت من منطقة الحكم الذاتي لكردستان العراق. . - الملاحظة 25: في حال تطور صراع عسكري في داخل الدولة - كنتيجة لحرب اهلية او صراع على السلطة بين المجموعات العسكرية المختلفة - فان قيام حركة نزوح واسعة للسكان المدنيين امر وارد الحدوث. وستعاني دول الجوار الاردن والسعودية وايران وتركيا والكويت من حملة لجوء واسعة عبر حدودها مع العراق، مما سينعكس على استقرار هذه الدول وتحملها مسؤوليات انسانية وسياسية واسعة.