طبيعة الموقف الحوثي والإيراني من هذه المبادرة وغيرها من المبادرات تشكلت وفق مسار سياسي متعدد الأطراف، منها ما هو مرتبط بالداخل اليمني، بالإضافة إلى تداخلات المواقف الدولية والعلاقات المعقدة بين إيران والعالم الغربي، وتحديداً أميركا وأوروبا.. عندما قدّمت السعودية مبادرتها الجديدة للأزمة اليمنية كانت تدرك جيداً تلك الآثار التي سوف تتركها هذه المبادرة على الموقف الحوثي، ومع كل ذلك قدمت هذه المبادرة إيمانا منها أنها تمنح الحوثيين ومن يقف وراءهم فرصة تاريخية لإنهاء الأزمة اليمنية. المبادرة السعودية شملت وقف إطلاق النار في كامل اليمن تحت إشراف الأممالمتحدة وتخفيف الحصار على ميناء الحديدة، وفتح حساب مصرفي مشترك بالبنك المركزي اليمني لتوريد الضرائب من الميناء، وإعادة فتح مطار صنعاء لعدد محدود من الوجهات الإقليمية والدولية، ومن ثم إطلاق محادثات سياسية لإنهاء الأزمة. أسبوع من الزمن مر على إطلاق المبادرة وما زالت الردود الحوثية المدعومة من إيران سلبية ورافضة للمبادرة، إذ تعتقد ميليشيات الحوثي أن المبادرة السعودية لم تقدم جديدا وهذه الاستجابة متوقعة، وخاصة أن الجانب السعودي اختبر جدية ميليشيات الحوثي نحو عملية السلام عدة مرات، وأكدت جميعها نظرية واحدة هي رغبة الحوثيين في احتلال اليمن والسيطرة عليه سياسيا وعسكريا وبناء محطة ميليشياتية جديدة تمكّن إيران من التلاعب في مقدرات اليمن، وجعله منصة سياسية تستخدمها إيران لتحقيق استراتيجياتها التوسعية والسيطرة الجيوبولتيكية، تحت رغبة إيران استخدام المكانة الجغرافية لليمن كمصدر يمكنها من خلاله التعبير عن قوتها السياسية بسيطرتها على أهم الممرات المائية في العالم. طبيعة الموقف الحوثي والإيراني من هذه المبادرة وغيرها من المبادرات تشكلت وفق مسار سياسي متعدد الأطراف، منها ما هو مرتبط بالداخل اليمني بالإضافة إلى تداخلات المواقف الدولية والعلاقات المعقدة بين إيران والعالم الغربي، وتحديدا أميركا وأوروبا، بالإضافة إلى المصالح غير المعلنة لتحالفات مختلفة قريبة من اليمن وبعيدة عنه. أولاً: من المهم أن ندرك أن المشروع الوطني اليمني مشتت لكثرة التحديات، فالمشكلات الخاصة بالمشروع الوطني ذات جذور عميقة تاريخيا وقد خلفت كثيرا من الأزمات والحروب والثأر، وهذا ما يسهل عمليات اختراق اليمن فهذه الخلفية التاريخية تسهل رسم خريطة العداءات والتحالفات باستحضار مبسط للتاريخ والصراعات الوطنية. ثانيا: مستقبل اليمن خلال الستين سنة الماضية لم يكن مستقرا، وتضاعفت أزمة الاستقرار في اليمن بعد احتلال الحوثي لصنعاء في العام 2014م، وبذلك أصبح مستقبل اليمن لا تشكله حكومة يمنية، ولكن تشكله ميليشيات عسكرية مدعومة من إيران، هذا الاحتلال الحوثي فتح الأبواب اليمنية جميعها لتتدخل مزيد من الدول ويصبح المشهد الجغرافي على الأرض اليمنية مسرحا سياسيا تشكله ثلاث دوائر مهمة، الدائرة الأولى جيران اليمن والقريبون منه، الدائرة الثانية مستثمرو اليمن والراغبون في السيطرة عليه وعلى رأسهم إيران، الدائرة الثالثة، القوى الدولية على اختلاف ميولها وتعدد صراعاتها. ثالثاً: وجود الحوثيين ضاعف من تصاعد الجرعة الإيديولوجية بجميع اتجاهاتها السنية والشيعية، والإخوانية والسلفية والمتطرفة والإرهابية، فالساحة اليمنية أصبحت مليئة بهذا الزخم من المؤدلجين وهذا يعني أن كل فريق يسعى إلى أن يضفي الشرعية على موقفه السياسي من الأزمة اليمنية، لذلك فإن أفضل وصف للحالة اليمنية أنها أمواج متنافرة تتقاذف على شواطئ صخرية صلبة، فالحالة اليمينة ليست سهلة التفكيك ولن يقبل الحوثيون أي مبادرة سلام لأنهم يدركون خطورة الصحوة التاريخية اليمنية في حال هدأت الحرب وجفت الدماء وأصبح الحوار السياسي هو اللغة الوحيدة المتاحة، هذا المسار يشكل صداعاً وألماً كبيراً للحوثيين وإيران فيما لو حدث. فهم الحالة اليمنية وتعقيداتها قضية أساسية وخاصة الكيفية التي بنت فيها إيران جماعة الحوثي، والكيفية التي تدير بها إيران عمليات التأهيل والتدريب والتزويد بالأسلحة للجماعة، وكيفية توظيف ذلك كله للهجوم على السعودية، باعتبارها نقطة حساسة يثير الهجوم عليها ردود فعل قوية من السعودية الجار الأهم لليمن وصاحبة العلاقات التاريخية والتي تستضيف جزءا كبيرا من الشعب اليمني بجانب الحكومة الشرعية، كما يثير الهجوم على السعودية القوى الدولية والإقليمية كنتيجة طبيعية لمكانة المملكة العربية السعودية وتأثيراتها السياسية والاقتصادية. فيما يخص القوى الدولية بالتأكيد أنها تشكل جزءا من تعقيدات الأزمة في اليمن وتقود القوى الدولية شبكة كبيرة من التعقيدات تربط بين الأزمة في اليمن وبين مشكلات إقليمية مختلفة من خلال نظرية الشروط المتقابلة، بحيث إن كل شرط يفكك شرطا إقليميا آخر أو جغرافيا خارج اليمن، ولعل أزمة الاتفاق النووي الإيراني وغيرها من الأبعاد الإستراتيجية تشكل عاملا مهما في قضية الشروط المتقابلة. إيران ترتكب خطأ تاريخيا وإستراتيجيا لتصورها أن صراعها مع السعودية يمكن نقله بذات التركيب من خلال ميليشيات الحوثيين ليكون بين (صنعاء والرياض)، والخطاب الإيراني والحوثي لا يخرج عن هذه النظرية، ولكن الحقيقة المؤلمة للحوثيين وإيران أن الأزمة اليمنية لا يمكن تفسيرها بعامل منفرد سواء كان أيديولوجيا أو جغرافيا، فالسعودية تدرك بعمق معاييرها السياسية الخاصة بنفوذها وقدراتها ومكانتها الإقليمية والدولية.