مراحل حياة الدول مثل مراحل حياة الإنسان من ولادة فطفولة فشباب فشيخوخة فممات، ودورة حياة الدول بداية فنمو فنضج فانحدار فزوال. وتاريخيًا تكون بداية انحدار الدول بسبب التراجع الاقتصادي يعقبه تراجع القوة العسكرية ثم تراجع النفوذ السياسي. في عام 2001م سلم كلينتون فائض موازنة لبوش الابن قدره 128 مليار دولار، وفي عام 2008م سلم بوش لأوباما عجزاً قدره 459 مليار دولار، وفي عام 2016م سلم أوباما لترمب عجزاً بقيمة 442 مليار دولار، وفي عام 2021م سلم ترمب لبايدن عجزاً قدره 3 تريليونات دولار، وهذا يمثل 3 أضعاف عجز 2019م، وبالتالي يكون عجز الموازنة أكبر عجز كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي منذ الحرب العالمية الثانية. أما الدين الأميركي، بعهد كلينتون وصلت تراكمات الدين منذ التأسيس 5.9 تريليونات دولار، وأضاف بوش الابن 5.8 تريليونات، وأضاف أوباما 9 تريليونات، وأضاف ترمب 4 تريليونات، وبالتالي نجد إضافة أوباما تعادل ديون أميركا منذ تأسيسها! والخلاصة أن الديون زادت خلال 20 سنة أربع مرات! بمتوسط أدنى 3 مليارات دولار يوميًا كزيادة. بالتالي سيكون الدين الفيدرالي أكبر من الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، حيث كان المعدل 78 % في 2019م، وكان 34 % في عام 2007م. بهذا الانحدار الاقتصادي الذي بدأه بوش الابن، ونماه أوباما، وثبته ترمب، وسيستمر مع بايدن، مما سيرسخ الانحدار الاقتصادي بالتزامن مع ضعف الدولار المستمر، حيث متوقع يتم البدء في بيع الدولار كعملة صعبة مع فترة بايدن. أما سياسيًا فكلينتون استلم الرئاسة وأميركا القوى العظمى الوحيدة في العالم وفي أعظم مراحلها، ثم استلمها بوش وبدأ بتقليص تقدم أميركا عن الصينوروسيا، ثم خلفه أوباما الذي ناقص من مكانة أميركا، ثم ترمب الذي أضاف مع التراجع انقساماً داخلياً، فالداخل منقسم والمنافس الخارجي يصعد بقوة؛ أظهر للجميع تراجعاً أميركياً حاداً وصراعاً اقتصادياً وتقنياً بارزاً مع الصين وصراعاً عسكرياً وتقنياً متنامياً مع روسيا. لهذا ظهرت علامات ومؤشرات الدولة العميقة منذ انتخابات 2016م، ويزداد تأثيرها مع الوقت ومتوقع للدولة العميقة أن تقود مرحلة بايدن، فمفهوم الدولة العميقة يشير لجهات وقوى وأجهزة تحكم المشهد وغير خاضعة للمساءلة، وقد تنشأ حكومة ظل في أوج نشاطها الذي يبرز في حال الانحراف عن نهجها. تاريخيًا الدولة العميقة في أميركا برزت في ستينيات القرن الماضي ونشطت مع فترة انتخاب كينيدي كأول رئيس كاثوليكي، تتشابه فترة وظروف انتخاب كينيدي مع فترة انتخاب بايدن ثاني رئيس كاثوليكي، ففترة كينيدي كان انقسام عرقي ودعم كينيدي للحقوق المدنية ولمارتن لوثر كينغ، وفترة بايدن انقسام سياسي نتيجة انقسام عرقي بعد مقتل جورج فلويد ودعم بايدن للأقليات. لذا فالدولة العميقة هي من تقود المرحلة الحالية، بعكس ماضيها فكانت تشرف وتوجه وتتدخل عرضيًا عند الحاجة، ومسارها الآن إما التماشي مع روسياوالصين وتثبيت الفارق المتبقي مع إصلاح الداخل، أو المواجهة الاقتصادية والتقنية والعسكرية لنتائج لا يمكن تنبؤها، بمجرد هذه المنافسة فأميركا في نزول مستمر منذ 2001م. مع التراجع الاقتصادي والانقسام الداخلي وصعود دول منافسة وتقليص فوارقها مع أميركا والحالة الصحية لبايدن، متوقع لا يكمل بايدن ولايته أو بأحسن الأحوال لن يترشح لولاية أخرى، ففترته فترة مرحلية، لذا أميركا تتجه لعدم الاستقرار السياسي، فسوف نجد من النادر رئيساً يكمل رئاستين. لذا فالدولة العميقة لا تريد ديمقراطياً قوياً لمواجهة ترمب، فكان الخيار لديمقراطي يسهل التعامل معه وقد استنفذ قواه، فكان بايدن الخيار المفضل، فكل الرؤساء الأميركيين بعد الحرب العالمية الثانية إما نائب رئيس، أو حاكم ولاية، أو عضو في الكونجرس، ماعد إيزنهاور فكان قائداً عسكرياً ثم رئيس جامعة، أما ترمب فخارج المعادلة السياسية. فكل رئيس أميركي يمارس سلطته داخل ملعبه الأخضر ولا يستطيع تجاوز الخط الأبيض، أو يكون في مواجهة الدولة العميقة فيذهب للمدرجات في أحسن الأحوال مثل نيكسون وفورد وترمب، وكاد كلينتون يذهب مثلهم، أما كينيدي فحاول التقرب مع الاتحاد السوفيتي والانسحاب من فيتنام. الاختلاف بين الرؤساء اختلاف تكتيكي، فقواعد الدولة العميقة وخاصة تجاه الشرق الأوسط أكبر من أي رئيس أميركي. أيضًا يشمل التراجع الأميركي في الشخصيات السياسية الثقيلة، كما أن الكونجرس يمر في أضعف حالاته، فلا يوجد أعضاء مخضرمون أو أقوياء كما كان في السابق، فالعضو أو مجموعة أعضاء كانوا يمثلون أميركا في الخارج، ويستقبلهم زعماء الدول. ومن ناحية حزبية نجد أنه يتم استخدام ما أسميه (ديمقراطية القلة) أي ما بين جمهوري وديمقراطي فقط، وآخر رئيس منتخب من غير هذين الحزبين كان في 1850م أي قبل 171 سنة! وبالتالي يجبر من يريد الانتخاب كرئيس الانضمام إلى أحد الحزبين، وبالتالي يخضع لشروط واشتراطات الحزب، أي تحت قواعد ومبادئ الدولة العميقة التي تشرف عليهم، لينتج ديمقراطية القلة. على الصعيد العسكري سوف سيزداد حرص الدولة العميقة على ضرب إيران، فالتوقعات ارتفعت، وسيكون حدوثها من المفارقات العجيبة في عهد بايدن لو أغفلنا دور الدولة العميقة، وكذلك سوف تؤيد الدولة العميقة الحل العسكري لمصر والسودان مع إثيوبيا بشأن سد النهضة. أغلب التوقعات تشير لنمو العجز والدين حتى 2050م، أي سيستمر الانحدار في حال عدم نمو أعلى للاقتصاد الأميركي، وستجاوز الصين والهند لاقتصاد أميركا، الذي بدوره سيؤثر على القوة العسكرية والنفوذ السياسي والاتحاد الفيدرالي، لذا فالأربع السنوات المقبلة هي فترة مرحلية وسوف تبين ما هو مستقبل أميركا.