«أعطيتني لمحات من الحياة الواقعية، ثم أخبرتني أن أستمر في عيش حياة واحدة مزيفة». نيويورك، 1870. «نيولاند آرتشر» (دانيال داي لويس)، محام شاب لامع، على وشك الزواج من «ماي ويلاند» (وينونا رايدر)، وهي فتاة جميلة ولكن سطحية. ينتميان إلى اثنتين من أقوى العائلات في المدينة، مخطوبين وسيتزوجان قريبًا، ومع ذلك، يقع آرتشر في حب الكونتيسة «إلين أولينسكا» (ميشيل فايفر)، التي عادت لتوها من أوروبا وحظرها مجتمع نيويورك بسبب سلوكها الحرّ وغير الملتزم. «عصر البراءة»، إنه يخبرنا عن مجتمع مغلق، مجتمع رفيع المستوى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. يحتضن توافق العلاقات، والأقفاص الرمزية للاتفاقيات، والجمود المنفرج لنظام المظاهر الوهمية. تأسس على ثروة عقارية صلبة، تحكمه أخلاقيات منفرجة، تعيق التقاليد الصارمة أي رغبة في تأكيد الفرد. جميع الشخصيات الغنيّة تعيش في نفس الشكل الرباعي للشوارع، ولا تتصور وجود عالم خارجي مختلف عن عالمهم، والذي مع ذلك يضغط حول القفص الذهبي الذي يتم حبسهم فيه ويخاطر بالقضاء عليه. يجعل «سكورسيزي»، نيويورك صندوق حلوى مليء بالتفاصيل المتلألئة والفاخرة، والآداب والمشاعر الإنسانية المختلفة. ومع ذلك، الفراغ الذي يعيشه الذين فقدوا عصر البراءة إلى الأبد يعيشون واجهة الوجود. يؤكد المخرج بشكل فعّال على قسوة شخصياته، ويبرز الفيلم عن بقية إنتاج «سكورسيزي»، لاهتمامه الشديد بالجانب الرسمي، وللأناقة المتفاخرة لإعادة بناء تلك الفترة، وللأسلوب الذي لا تشوبه شائبة وصقل نموذجي سينمائي مذهل. يساهم عمل «دانتي فيريتي»، للسينماتوغرافيا و»غابرييلا بيسكوتشي»، للأزياء الأنيقة (الحائزة على جائزة الأوسكار) في الكمال الأسلوبي. في حين أن المشاعر التي تم إنكارها يتم تقديمها بشكل رائع من قبل «دانيال داي لويس»، الذي لا يقاوم. إلى جانبه، تكشف «ميشيل فايفر»، غير العادية، هشاشة وحساسية واضحة، شغفًا مكبوتًا يسطع من خلال نظراتها النارية. فيلم «عصر البراءة، مأخوذ عن رواية «إديث وارتون»، التي تحمل الاسم نفسه، والتي نُشرت عام 1920 وحصلت على جائزة بوليتزر. حصل الفيلم على العديد من الجوائز، بما في ذلك جائزة أوسكار لأفضل تصميم أزياء وجولدن غلوب لأفضل ممثلة مساعدة إلى «وينونا رايدر». «واجب المخرج هو سرد القصة التي يريد أن يرويها، مما يعني أنك بحاجة إلى معرفة ما تتحدث عنه. قد يبدو أن عصر البراءة يتعارض مع هذا المنطق لأنني لم أعش أبدًا في مجتمع راقٍ، ناهيك عن أواخر القرن التاسع عشر. في هذه الحالة استخدمت المشاعر التي كنت أعرفها، لكنني وضعتها في عالم أردت استكشافه وأذهلني». مارتن سكورسيزي