هل كان يمكن ان نقبل بفيلم عصر البراءة لو ارتدى ممثلوه ملابس مختلفة، وهل كان حقاً زمناً بريئاً ذلك الذي شهدته نيويورك في الثلث الاخير من القرن الماضي؟ يصعب ان نصدق اليوم ان نيويوركياً يخضع للتقاليد، ويقضي عمره مع المرأة الاخرى بدلاً من تلك التي يرغب بها وان كان ينتمي الى الطبقة العليا7 مارتن سكورسيزي يؤكد البعد الزمني والاجتماعي باصراره على صوت الراوية النسائي كأنه يذكرنا دائماً بالمؤلفة اديث ورتون وقصتها عوضاً عن الاستعانة بالمونولوغ مثلاً7 لكن المغزى السياسي للملابس لا يطول نظرة المخرج الاميركي الايطالي الاصلي الى المرأة التي تكتنفها الحيرة والحاجة الى اثبات براءتها او اعادتها اليها وإن كانت بنت هوى7 في سائق تاكسي يرفض البطل استمرار المراهقة في عملها فينقذها منه ويعيدها الى اهلها7 وفي عصر البراءة يقبل نيولاند آرتشر حذاء الكونتيسة إلين اولنسكا بعدما رفض ان يقبل يدها وهذه أثارت مجتمعها الارستقراطي بعلاقة مفترضة مع سكرتير زوجها ورغبتها في الطلاق7 هذه النظرة الحنونة الى المرأة الضائعة المتمردة ودعمها في وجه الجماعة يواكبها دائماً الحرمان منها لا حرصاً على طهارتها بالضرورة بل تركيزاً على أزمة الرجل معها وتضحيته بقلبه استسلاماً لمصيره سواء كان دينياً او محكوماً بطبقة7 في صباه فضل سكورسيزي السينما على الكهنوت لكنه لم يتخلص من آثار النظرة الكاثوليكية الى النساء وقسمتهن اخلاقياً الى مجموعتين7 وسواء خضع لهذا التقسيم او تحرر منه يبقى الرجل عنده الضحية والهم الأول. هل الكونتيسة هي الافعى الوحيدة في تلك الجنة الغنية التي يقدمها الديكور الداخلي والخارجي في عصر البراءة؟ مي الصبية تتظاهر بالجهل والبراءة لكنها تستخدم الحيلة تلو الأخرى لإبعاد خطيبها ثم زوجها عن قريبتها التي تعرف أن يحبها7 الرجال والنساء يطلقون ألسنتهم ضد الكونتيسة في خلفيات طبيعية بالغة الجمال او داخلية بالغة الثراء من دون ان يشعروا ان ثمة تعارضاً بين الخلفية والموقف7 ونيولاند آرتشر يحمل عذابه بصمت وعيناً نصف دامعة لكن احداً لا يدينه كأنما يكفيه عقاباً ان من يريدها لا يمكن ان تكون له7 الرجل اذاً هو المسألة والمقياس عند سكورسيزي وان كان لا يعقب على شره كالمرأة7 آرتشر يتمنى في نفسه أن تموت زوجته ليتحرر منها، ويصادر بذلك حريته في الخيار7 لو كان يعيش في أيامنا لما امضى عمره محبطاً محروقاً ولما وجد صعوبة، نظن، في الجمع بين الزوجة والعشيقة او التخلي عن الأولى7 هل كانت أواخر القرن الماضي بريئة لأن الناس تركوا مصائرهم للزمن ورضوا بما قدر لهم، أم لأنهم اعتقدوا انهم يستطيعون تغييرها بسعي قليل؟ ربما كان الاعتقاد أن السعادة ممكنة عند سكورسيزي المسكون بالخطيئة والعنف ذروة البراءة7