تتجاوز تطلعات المملكة الاقتصادية حدود المنطق والعقل، وتُصيغ أهدافها بالطريقة التي تُرضيها وتتناسب ومكانة البلاد وثقلها في المنطقة والعالم، ولا تعلن المملكة عن هدف أو مشروع ما إلا وتحققه على أرض الواقع بكل مهنية ومهارة لا تخلو من ثقة، مستعينة بالإصرار والعزيمة لدى شباب الوطن وطموحهم بأن تكون بلادنا في مقدمة بلدان دول العالم الأول عن جدارة واستحقاق. بهذه الآلية الشاملة وبهذا المفهوم المتطور جاءت رؤية 2030 بحزمة أهداف وطموحات نوعية شملت كل مناحي الحياة، وكأنها أرادت أن تحقق كل تطلعات ولاة الأمر والمواطنين دفعة واحدة، هذه الطموحات كانت قبل إعلان الرؤية تستحق وصف "محدودة" و"متواضعة"، بالمقارنة بحجم طموحات ما بعد الرؤية. وعندما يعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن استراتيجية جديدة لتطوير مدينة الرياض، لتصبح من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، فهو يرسم ملامح مدينة جديدة كلياً في شكلها وإمكاناتها وتطلعاتها عن المدينة التي نعرفها الآن، بحيث تكون مدينة جاذبة للاستثمارات الدولية العملاقة من خلال إجراءات دقيقة وخطط تتسم بالعلم تثمر عن تحقيق كامل الأهداف. ما يلفت النظر في استراتيجية الرياض، التوجه الرائع للرؤية بترسيخ ثقافة المدن الاقتصادية العملاقة في المملكة، وهي ثقافة معروفة ومعتمدة في العديد من مدن العالم الأول، أثمرت عن مدن كبرى، يتحاكى بها سكان العالم في مختلف قطاعات الاقتصاد من صناعة وتقنية وتكنولوجيا، مثل نيويورك ولوس أنجلوس ودالاس في أميركا، وشنغهاي وبكين وشنتشن وتيانجين في الصين، ولندن في بريطانيا، وقريباً سيردد الجميع عبارة "والرياض في السعودية"، ولا أستبعد أن تكون الرياض أولى المدن السعودية التي تشملها ثقافة المدن الاقتصادية، فهناك مدن جدة والدمام وغيرهما قد تلحق بقائمة المدن الاقتصادية العملاقة. الشمولية في أهداف الاستراتيجية تتجاوز محيط الاقتصاد وتصل إلى محيط الاجتماع، بأن تستقطب الرياض نحو 20 مليون نسمة للعيش فيها، وهذا رقم كبير جداً يتجاوز سكان دول بأكملها، وهو ما يعكس حجم الطموحات لإعادة رسم مستقبل الرياض ووضعها على عتبة العالمية. ولا أبالغ إذا أكدت أن استراتيجية تطوير الرياض سوف تبدأ من حيث انتهى الآخرون، فلن تحاكي الاستراتيجية المدن الاقتصادية الكبرى ولن تسعى إلى تقليدها أو السير على منهجها، فهي مدن قديمة وعتيقة لها عاداتها وتقاليدها الخاصة بها، وسوف يكون للرياض أيضاً شخصيتها كمدينة عربية ومسلمة، يفترض أن يكون لها عاداتها وشخصيتها المستقلة والمتطورة، وهذا يضمن الانفراد والريادة للمدينة التي ستعلن عن نفسها شيئاً فشيئاً. ويبلغ التفاؤل ذروته بشأن الرياض، عندما نعلم أنها نالت على مدى نصف قرن اهتماماً كبيراً ونوعياً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أميراً للرياض، فلم يدخر جهداً في تطوير وتحديث المدينة وتصميمها بأسلوب عملي فريد لتحاكي كبرى المدن، وهذا يسهل كثيراً من مراحل تنفيذ استراتيجية التطوير.