هناك أحيانًا خط رفيع بين الحب والكراهية -خاصةً عندما يتعلق الأمر بالعائلة-. يمكن أن تكون العلاقات بين الآباء وأطفالهم معقدة بشكل خاص، وبينما يُتوقع من الآباء والأمهات غالبًا أن يحبوا أبناءهم وبناتهم بالفطرة، فإن هذا الإكراه المتأصل على ما يبدو تجاه الرعاية والرحمة ليس مضمونًا دائمًا. بعد عدة سنوات من القطيعة، تأتي عازفة البيانو الشهيرة شارلوت (إنغريد بيرغمان) لزيارة ابنتها الكبرى إيفا (ليف أولمان). في البداية، يبدو الاثنان سعداء حقًا بلم شملهما، ولكن مع مرور الوقت، تصبح هذه التعبيرات المبهجة مجرد واجهة، وفي النهاية تتلاشى تمامًا؛ مما يفسح المجال لانفجار اتهامات الكراهية والاعترافات المدمرة والمناقشات الفلسفية العنيفة. يحاول الاثنان حل مشاكلهما، لكن الألم المرير للماضي يلقي بظلاله المدمرة على علاقتهما، مما قد يقضي على أي فرصة لديهم لتحقيق مصالحة حقيقية. يقدّم المخرج السويدي إنغمار بيرغمان صورة حميمة للعلاقة الإنسانية الوثيقة التي هي في طور التفكك. حيث تؤكد المرارة والتهميش والذنب. في هذه المناسبة يتعامل بيرغمان مع واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا ولا يمكن تحديدها، وهي العلاقات بين الأم وابنتها. الشيء الذي يقود الصراع إلى حله الفوضوي هو الحب، أو بالأحرى عدم وجوده. كما هي الحال في العديد من أفلام بيرغمان، الشخصيات الرئيسة هي الأضداد التي يتم الكشف عنها تدريجيًا. لا يمكن أن تكون المرأتان في هذا الفيلم أكثر اختلافًا - إحداهما عازفة البيانو الفاتنة «شارلوت»، والأخرى ابنتها «إيفا»، زوجة مكبوتة عاطفيًا. تكشف حساسية شارلوت المذهلة للموسيقى عن نقص داخلي في الشعور الإنساني، في حين أن إيفا أقل إنجازًا من الناحية الموسيقية ولكن لها قلب مليء بالعواطف الحقيقية. ظاهريًا، تبدو إيفا أكثر صرامة من والدتها. شارلوت تعبير بلا روح. إيفا روح لا تستطيع التعبير عن نفسها. يعتبر «سوناتا الخريف»، أحد أكثر أفلام بيرغمان كآبة، ولكنه أيضًا أحد أكثر أفلامه إقناعًا. الفيلم ينقل مأساة علاقة الأم وابنتها التي لا تحبها بحقيقة هائلة من المشاعر المؤثرة. حيث تنهار إيفا وتكشف لأمها المعاناة التي دمَّرت حياتها. في مشهد مأساوي مرعب. إنه أشبه بمشاهدة ضمادة تُزال ببطء، من جرح رهيب. ومع ذلك، فإننا لا نشفق فقط على إيفا، ولكن أيضًا والدتها، التي تدرك مدى فشلها، ويجب أن تستمر في الفشل. لا يحقق هذا الانفجار شيئًا سوى السماح للمرأتين بإدراك هويتهما. يخلق المخرج والمصور السينمائي جوًا ملموسًا من الرثاء المهيب، يتميز بالتركيز البارع على التعبيرات الغامضة. هناك أوقات يصعب فيها قراءة مشاعر إيفا وشارلوت حقًا، لكن هذا التعقيد الدرامي يتعزز فقط من خلال وجهة نظر الكاميرا الحميمة. التراكيب أيضًا لا تشوبها شائبة، مع صور مؤطرة بدقة. إن الطريقة التي يضع بها بيرغمان ممثليه لها أهمية قصوى، والمقدار المحدد لمساحة الشاشة بينهم، أو الطريقة التي يتم بها وضع وجوههم جنبًا إلى جنب، تتحدث عن حالتهم الذهنية وعلاقتهم من خلال الصور البحتة. لعبت دور شارلوت الممثلة السينمائية الأسطورية إنغريد بيرغمان، وهي المناسبة الأولى والوحيدة التي عملت فيها مع المخرج الذي يحمل الاسم نفسه. كان أحد أفضل عروضها، كان آخر ظهور لها قبل وفاتها بمرض السرطان عام 1982. أما إيفا فقد قامت بأداء الدور ليف أولمان، المفضلة لدى إنغمار بيرغمان. والتي جلبت شدة عاطفية كبيرة وأداء مثالي عظيم. بيرغمان هو خبير في تنظيم هذا النوع من الدراما الشخصية. أداء إنغريد بيرغمان مؤثر للغاية وهي تقفز من البهجة إلى البكاء إلى الألم والهروب النهائي. تصوير ليف أولمان لإيفا هو نوع من البورتريه الجذاب الذي نتوقعه منها عندما يتم إخراجها من قبل بيرغمان.