تتميز المملكة بدورها الريادي في مجال المسؤولية المجتمعية بمفهومها الحديث والمعاصر، حيث واكبت التطورات العالمية في هذا المجال، ووضعت برنامجاً تصنيفياً للشركات، ومؤسسات القطاع الخاص، ليكون معيارا واضحا لقياس دور الشركة أو المؤسسة مجتمعيًّا، وتمنح على إثره تصنيفًا حسب مساهمتها، ويبنى على ذلك تقديم التحفيزات المعنوية والمادية لهذه الشركات، لتنقل العمل التطوعي من عمل عفوي غير منتظم إلى عمل ممنهج ضمن ضوابط ومقاييس. هذا النهج المؤسسي الأصيل من حيث المبدأ، والحديث من حيث آلية التنفيذ أظهر جانب التميز والتطور الذي شهدته المسؤولية المجتمعية في بلادنا؛ كما أنَّ الرؤية السعودية الحكيمة وضعتْ خططا استراتيجية طويلة المدى لتعزيز المسؤولية المجتمعية، والتي لن تكون قاصرة على المؤسسات الكبرى، بل ستشمل القطاعات المتوسطة والصغيرة؛ وذلك لتوسيع دائرة المسؤولية المجتمعية، وإشراك كافة أطياف المجتمع فيها، لضمان الاستثمار الأمثل لها، وتعزيز التكافل الاجتماعي بأبهى صوره ومعانيه. لقد أحدثت رؤية المملكة 2030 التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ثورةً في العمل المؤسسي العام والخاص، لأنها ركَّزتْ على هدف تأسيس دور الشركات والمؤسسات في مجال المسؤوليات المجتمعية، وجَعَلَتْ لجميع مؤسسات الدولة إسهامًا واضحا في تحقيق الهدف المذكور؛ وقد برز ذلك جليًّا في موافقة مجلس الشورى على إنشاء الهيئة الوطنية للمسؤولية المجتمعية؛ لتكون مؤسسة مرجعية ينتظم تحتها كافة مراحل العمل وفق منهجية واضحة المعالم، ظاهرة الأهداف. لقد واكب إنشاء هذه الهيئة إطلاق وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لمجموعة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز المسؤولية المجتمعية ضمن رؤية 2030 باعتبارها أحد عناصر التنمية المستدامة، وبالشراكة مع عدد من القطاعات الربحية وغير الربحية، وأفراد المجتمع. وبما أن الجامعات والمدارس التعليمية بمختلف صنوفها ودرجاتها هي أهم المؤسسات التي يتم فيها التكوين النفسي والاجتماعي والفكري للطالب، فإن دورها سيظلُّ محوريًّا وجوهريًّا ومركزيًّا في تنمية المسؤولية المجتمعية في نفوس منتسبيها؛ ولهذا فإنَّ الواجب عليها جمع الأفكار والمعلومات، ومن ثَمَّ سبرها واختبارها ودراستها بالتشارك مع بقية الجهات ذات العلاقة، لاستخلاص المفيد الذي يساهم في غرس المسؤولية المجتمعية لدى منتسبيها، وتعزيزها، وتنظيمها في نفوسهم؛ ويمكن استغلال الإجازات الصيفية في تدريب طلابها وطالباتها على بعض المناشط التي من شأنها الإسهام في زيادة الوعي المجتمعي، وتحفيزه للعمل التطوعي الفاعل. ولا يفوتني قبل ختام هذا المقال الإشادة بالتجارب الرائدة لبعض الشركات الوطنية الكبرى في العمل التطوعي المجتمعي، والتي امتدت مساهماتها لتشمل قطاعات كثيرة ومتنوعة، وخصوصا في الجوانب الإنسانية والخيرية؛ مثل المبادرات التي تقدم بها قطاع البنوك؛ والتي ساهمت في تطوير وتحديث منظومة المعرفة المصرفية المهنية للعديد من الشباب السعودي، وتهيئتهم للانخراط في سوق العمل، إضافةً إلى توفير المنح الدراسية للطلاب والطالبات في بعض الجامعات؛ وكذلك الأمر بالنسبة لشركات الاتصالات، ومصانع الأغذية، والمنتجات الزراعية والأدوية وغيرها.