حمّل أستاذ النقد والنظرية الدكتور عبدالله الغذّامي التشدد الديني مسؤولية شيوع الأجواء الإلحادية لدى فئة الشباب، والتي وصفها بأنها حالة غضب وردّة فعل سلبية تجاه الشدة المفرطة، وطالب بعقد مصالحة بين المتدينين والعلماء. جاء ذلك خلال ندوة نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي مؤخراً عبر منصته الافتراضية حول كتاب (العقل المؤمن/ العقل الملحد). وتطرق الغذّامي إلى فكرة الكتاب، والتي جاءت قديمًا منذ عام 1971 عندما كان مبتعثًا للدراسة في بريطانيا، حيث دارت أسئلة عدة من زملائه من الجنسيات والديانات المختلفة حول قضايا الفلسفة والوجود، والتي حفزت المؤلف للاطلاع والتعمق حول الفلسفة ونظرياتها، وظل هذا الشغف متواصلًا حتى شاعت في مواقع التواصل الاجتماعي أجواء إلحادية بين جيل الشباب دعته إلى هذا الطرح. ويرى الدكتور عبدالله أن معظم الشباب الذين يقال إنهم ألحدوا هم في الأصل غاضبون، وأن سبب هذه الحالة الإلحادية هي الشدة المفرطة في تعامل أهاليهم معهم، والتي نتجت عنها ردة فعل سلبية، وقال أيضًا: لقد تراجع الإلحاد لدينا عندما تراجع التشدد، وكل ما اعتدلنا في ديننا فإننا نعتدل في سائر أمورنا، وعندما يدخل أحد في علاقة العبد بربه فإنه يفسدها ويبرمجها على غراره، وهذا الشيء أفرز في الفترات الماضية جيلًا غاضبًا لم يعد له الآن تأثير يذكر. وطالب بإقامة مصالحة بين المتدينين والعلماء، وليست بين الدين والعلم، لأنها على حد قوله لا توجد في الأصل مشكلة بين الدين والعلم، ولكن المشكلة بين من يأخذوا الدين سلاحًا ضد العلم، أو من يأخذون العلم سلاحًا ضد الدين، وهؤلاء هم الذين لديهم مشكلة. وأضاف: لقد أدت بعض الفتاوى التي لا تتسق مع العلم والفلسفة إلى غضبٍ لدى الشباب نتج عنه حالة التشدد، والتشدد الديني أخطر من الإلحاد وهذا مشاهد وواقعي. وذكر أن الخطاب الملحد فيه خاصيتان، الأولى أنه لا يطرح حججًا تنفي وجود الخالق، والثانية أن جميع الملحدين الذين استعرضهم في كتابه إذا نوقش بنقاشات تثبت وجود الخالق يجنح من كونه ملحداً إلى الادعاء بعدم المعرفة، ومعظم الحجج لدى الملحدين ليست حجج مرافعة تنفي وجود الخالق، وإنما هي محاولة دفع حجج الآخرين. كما استعرض الغذامي نشأت هوكنغ الفلسفية، وتنقله بين مراحل نظرياته الثلاث حيث قال: بدأ هوكينغ «كل شيء» وهي وصول البشرية عبر علومها المختلفة إلى نظرية تجيب على كل الأسئلة بما فيها السؤال عن الخالق، وأنه اشترط لهذه النظرية أن تكون سهلة يفهمها المختص وغير المختص، ولكن تراجع هوكينغ عن هذه النظرية إلى (M-Theory)، والمرحلة الثالثة لهوكينغ كانت النظرية الحمية والتي تقول إن ما تثبته النظرية العلمية فهو موجود، وما لا تثبته النظرية العلمية فهو غير موجود، وعلق الغذامي على ذلك بأن هوكينغ أمات الفلسفة، لأنه إذا جاءت الفلسفة طُرح سؤال الخالق وهو لا يريد هذا الطرح. وعدّ الدكتور الغذامي نظرية التطور أخطر النظريات الفلسفية وأهمها في علاقة العلم بالإيمان، وأنها تمثل مشكلة منذ أن طرحها داروين، كما أنها لا تزال في طور النظرية، ولم تصل إلى أن تكون قاعدة أو قانوناً. كما أكد الغذامي بأن أهم عنصر في الفلسفة هو عدم تسليم المرء عقله للآخر، لأن من يقرأ الفلسفة وينطلق من التسليم بها لا يختلف عن التقليدي الذي يؤمن بأي فتوى أو كلمة لأي شخص. وأضاف: طبيعة الفلسفة هي أن الفيلسوف يعيد الأسئلة ليمنح أجوبة أخرى غير الأجوبة التي قالها الآخر. والجيل الشاب منبهر بالفلسفة ويقرأ فيها وهذا شيء جيد، ولكن بقى أن يمارس الفلسفة، ويمارس التفكير النقدي الذي ينفرد به المرء بتفكير، لا أن يستسلم لآراء الفلاسفة، لأن استسلامه لآرائهم وأفكارهم ليس تفكيراً نقديًا، وكما قال أحد الفلاسفة المتأخرين: (يجب أن نقرأ الفلسفة القديمة كي نتجنب أخطاءهم)، مشيراً إلى أن العلم والفلسفة محايدان، ليسا مؤمنين ولا كافرين، وأن الذي يزعم أن العلم ملحد وأن الفلسفة ملحدة، أو أن العلم والفلسفة تقودان للإلحاد، هو في النهاية من يقود الناس للإلحاد.