في مادة منشورة في شبكة "طهران تايمز" الناطقة باللغة الإنجليزية، عبّرت بيلجيهان ألاغوز، الباحثة التركية في جامعة مرمرة في اسطنبول عن مخاوفها من المرشحّين لقيادة دفّة السياسات الأميركية الخارجية في إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن قائلة "بلينكن وسوليفان يذكرانني بعهد جورج بوش والمحافظين الجدد وأخشى أننا مقبلون على عهد أميركي تدخلي في الشرق الأوسط". ونقلت «طهران تايمز» مخاوف إيران التي صبرت لأربعة سنوات أملاً بوصول رئيس ديموقراطي أقل تشدداً مع إيران التي باتت بأمسّ الحاجة إلى متنفس اقتصادي فبايدن بحسب الباحثة «الاغوز» لا يبدو حلاً مثالياً بالنسبة لطهران خاصة أنه كان قد عبّر عن رؤية مختلفة عن رؤية سلفه أوباما للاتفاق النووي». وتقول الكاتبة «ألاغوز»، في الحقيقة يجب أن تقلق طهران من إدارة جو بايدن التي ستعمل على جني ثمار الضغوطات على إيران التي زرعتها إدارة ترمب طيلة السنوات الماضية. وفي مقال رأي كان قد كتبه جو بايدن في سبتمبر العام 2020 الذي سبق الانتخابات الأميركية قال بايدن «إذا عادت إيران إلى الامتثال بالاتفاق النووي وشروطه بصرامة كاملة، فإن الولاياتالمتحدة ستعود إلى الاتفاق وتعتبره نقطة انطلاق لمفاوضات أخرى». وأضاف بايدن «سنعمل مع حلفائنا حينها للعمل على الاتفاق النووي من أجل تعزيز بنوده لتتضمن آلية تعالج قضايا أخرى ذات أهمية». ويتّفق إيلي ليك، الكاتب الأميركي في شبكة «بلومبرغ» مع الأصوات القائلة بأن السياسات الخارجية في إدارة جو بايدن ستعيد أميركا إلى عهد أشبه بعهد المحافظين الجدد الذين مثلّتهم إدارة جورج دبليو بوش، فعلى الرغم من اختلاف جو بايدن عن العهدة البوشية بالانتماء الحزبي، فإن بايدن وإدارة بوش ووزير الخارجية المقبل أنتوني بلينكن يشتركون بإيمانهم بضرورة لعب أميركا لدور عالمي قوي من أهم سماته الحفاظ على العلاقات «عبر الأطلسية» مع الحلفاء وتعزيزها والبناء عليها. ويقول ليك، عندما ننظر إلى تصريحات أنتوني بلينكن، فنرى أنه دبلوماسي متمرّس مستعد ومؤيد بشدّة لإسرائيل الغاضبة من الحديث عن العودة للاتفاق النووي، كما نلاحظ أن بلينكن يطمح إلى تحقيق انجاز كبير في الملف الإيراني الذي يبرع به. ويرى الكتاب «إيلي ليك» أن بلينكن سيبدأ على الفور بالاستفادة من الجرح الإيراني النازف والضعف الذي تعاني منها طهران المتأملة بأي يد مساعدة تمد لها، فعميد الدبلوماسية الأميركية القادم سيأمل ببناء إرث خاص به من الإنجاز في الملف الإيراني عبر انتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات من إيران. ويشير الكاتب «ليك» إلى نقطة الخلاف بين بلينكن وإدارة الرئيس أوباما وهي الملف «السوري» الذي قال عنه بلينكن «أحمل ذنباً شخصياً تجاه سورية حيث كنت في إدارة لم تفعل كل ما كان يجب فعله لتجنّب المعاناة الإنسانية الهائلة». وكان بلينكن قد عزا تدهور الوضع في سورية إلى الدور إيران الواسع الذي أهلّها لبث المزيد من الفوضى والتخريب في المنطقة حيث صرّح بلينكن مراراً في السنوات الاخيرة بأن ما تسميه إيران بمحور المقاومة وخاصة ذلك الذي ينشط عبر الميليشيات في سورية والعراق أضر بكل خطط العمل الاميركية في الشرق الأوسط. كما يلفت «ايلي ليك» إلى البعد الثالث الذي يؤكد أن عهد جو بايدن لن يكون عهداً «يسارياً» يحقق رؤى اليساري الانعزالي فيما يتعلّق بدور أميركا العالمي، بل قد يشهد عهد بايدن تدخّلات أميركية غير متوقعة وعودة قوية إلى الشرق الأوسط لم نراها منذ حرب العراق، وذلك بسبب آليّتين متناقضتين أطلقهما ترمب خاصة خلال الأيام الأخيرة من حكمه، حيث قام ترمب مؤخراً بتنفيذ انسحابات واسعة من أفغانستانوالعراق وعمل في نفس الوقت بعدة أشكال على استفزاز إيران وتعزيز الضغط عليها ما يعني أن بايدن سيكون أمام خيارات صعبة تجبره على الزج بالمزيد من القوات الأميركية في المنطقة لتلافي حدوث انهيارات أمنية في المنطقة قد تتسبب بها داعش أو إيران بعد عهد ترمب. وفي مقال رأي آخر نشرته صحيفة «ذا هيل» الأميركية صباح يوم الاثنين قال الكاتب ماكس بيرنس إن خيار جو بايدن لأنتوني بلينكن ليقود وزارة الخارجية الأميركية كان قراراً حكيماً وفوق أفضل التوقعات فبلينكن بعلاقاته وخبراته الدولية الواسعة قادر على إعادة الدبلوماسية الأميركية لتكون «عظيمة مرة أخرى». ويتحدث بيرنس في مقاله عن تفاصيل الفوضى التي عاشها السلك الدبلوماسي الأميركي خلال عهد الرئيس ترمب، فترمب الذي كان يكرر دائماً مديحه لقدراته العظيمة على التفاوض كان يستخف بدور وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي الأميركي. وإلى جانب تعريض الرئيس ترمب لدبلوماسييه إلى مواقف محرجة لا حصر لها مثلما حدث في أوكرانيا، وأفغانستان، وكوريا الشمالية حيث اعتاد ترمب على معارضة كل تفاهمات فريقه الدبلوماسي متبعاً حدسه ورأيه الشخصي، فإن وزارة الخارجية في عهد ترمب تعرّضت لتخفيض تاريخي في ميزانيتها فترمب بحسب بيرنس كان مؤمناً بأن كل دبلوماسيي أميركا ليسوا قادرين على عقد الاتفاقات التي كان قادراً هو على عقدها. أما على أرض الواقع، فرأت «ذا هيل» أن كل مراهنات ترمب على قدراته التفاوضية باءت بالفشل، فكيم جونغ اون، الذي حظي بفرص تاريخية منحه إياها ترمب الذي نعته ب»الصديق»، أدار ظهره لترمب ولم يحقق أي التزامات طالبته بها أميركا بعد أن ظنّ ترمب لأشهر طويلة بأنه سيتمكن من انتزاع اتفاق تاريخي من كوريا الشمالية بنفسه ودون أي عون من الدبلوماسيين. في ملف الصين أيضاً، اختار ترمب أن يقود المفاوضات ويقلل من أهمية دور وزارة الخارجية، واعتقد ترمب أن أسلوبه سيحقق لأميركا مكاسب خيالية من الصين، فأخذ ترمب يطوّر علاقته الشخصية مع شي جين بينغ، الذي لم يقدّم في نهاية المطاف أي شئ لأميركا التي خرجت خاسرة تجارياً مع الصين أكثر من أي وقت مضى في عصر ترمب. فالرئيس الصيني شي الذي وصفه ترمب بالصديق الرائع والسياسي والقائد العظيم الفذّ، تحوّل لاحقاً من وجهة نظر ترمب إلى عدو بعد أن نفذ صبر الأخير وشعر أن الصين تلاعبت به وكلّفته خسارة الانتخابات بسبب الفيروس الذي سمّاه ترمب ب»الفيروس الصيني» وذلك بعد أسابيع من امتداحه لتعامل الصين مع الفيروس حين كان ترمب يأمل بأن ينجح بعقد اتفاق تجاري رابح للجانب الأميركي. ويرى ماكس بيرنس أن خيارات بايدن هي أكثر ما تحتاجه أميركا اليوم لاعادة المصداقية لها على المسرح العالمي بعد أن تراجع دور أميركا وعلاقتها بالحلفاء في عهد ترمب ومن قبله أوباما.