تحدثنا في المقال السابق عن الوضع في الجزيرة العربية قبل قيام الدولة، وكيف أن انعدام الدولة كان انعداماً لمقومات الحياة الكريمة، وعند حديثنا عن قيام الدولة في تاريخنا الوطني فإننا نقصد قيام الدولة السعودية الأولى التي شكلت أول وحدة سياسية جامعة لمناطق الجزيرة العربية، فقد قامت الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود العام 1157ه (1744م)، وعلى الرغم من تعدد النظريات التي طرحها المنظرون حول قيام الدول، إلا أن نظرية "التحدي والاستجابة" التي قدمها آرنولد توينبي (1889 – 1975م) في موسوعته التاريخية المُعنونَة ب "دراسة للتاريخ" AStudy of History في اثني عشر مجلَّداً واستغرقت واحداً وأربعين عاماً في تأليفها تبقى هي النظرية الأكثر قدرة على شرح قيام الدولة السعودية، فقد كان الناس يواجهون العديد من التحديات التي جعلتهم يلتفون حول الإمام مؤمنين بضرورة قيام الدولة واستمراريتها، فكان هناك تحدي انعدام الوحدة السياسية والذي جعل الإمام محمد بن سعود يرى ضرورة توحيد الدولة للقضاء على هذا التحدي، فقد انطلق الإمام من الدرعية في حملات التوحيد فضم العيينة، ومنفوحة، وحريملاء، وعرقة، وبعد وفاته العام 1179ه خلفه ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد الذي توسعت الدولة في عهده توسعاً كبيراً، فكان ضم الرياض 1187ه، ثم الوشم، والخرج، والقصيم، وسدير، والأحساء، وعسير، ونجران، وجازان، وعمان، والبحرين، وقطر، وساحل الخليج العربي. وكان هناك التحدي الأمني المتمثل في انعدام الأمن، والذي أثر بدوره على معيشة الناس من حيث كثرة السلب والنهب، وأثر على صعوبة تنقلهم من مكان إلى آخر، وكان هناك كذلك التحدي الديني الذي تمثل في وجود البدع والخرافات، وهو الأمر الذي سيقود الشيخ محمد بن عبدالوهاب للانتقال إلى الدرعية قادماً من العيينة باحثاً عن تأييد للدعوة الإصلاحية الهادفة إلى معالجة هذا التحدي، وقد تكاتفت جهود القيادة في هذه الدولة مع شعبها ونجحت في إقامة الدولة السعودية الأولى التي شكلت المظلة التي تفيؤوا بظلها ودافعوا عنها بكل ما لديهم من قوة، لا سيما ضد الحملات العثمانية الغازية التي تم توجيهها لهذه الدولة وعلى مدى أكثر من سبع سنوات. وقد سجل التاريخ في هذا الخصوص العديد من الملاحم الوطنية الكبرى التي تبعث على الاعتزاز وتعزز من الانتماء الوطني عند استحضارها، ويأتي في مقدمتها ملحمة "سقوط الدرعية" العام 1233ه.