افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أعمال السنة الأولى من دورة مجلس الشورى الثامنة وقال "يسرنا افتتاح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى، سائلاً المولى عز وجل في علاه أن تكون أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يعيننا لما فيه خدمة بلادنا الغالية، والارتقاء بها نحو مستقبل مشرق بجهود أبنائها الأوفياء وسواعدهم المنتجة، مقدراً لمجلسكم الموقر كل ما تقومون به من خدمة جليلة لوطنكم، وما تولونه من أعمال وجهود تصب في مصلحة البلاد والعباد، مثمناً عملكم البالغ الأهمية في سبيل الحفاظ على تقدم بلادنا ونمائها". وأكد الملك سلمان على أن المملكة ومنذ أن وحدها جلالة الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- وهي بفضل الله عز وجل تأخذ بمبدأ الشورى، مما أسهم في تعزيز مسيرتها التنموية الشاملة لتحقيق ما نصبو إليه من أمن ورخاء وازدهار، وقال "لقد شرفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين خدمة نفخر بها، ونبذل في سبيلها الغالي والنفيس لإنجاز المشاريع الضخمة الكبرى في مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة والمدينة المنورة، لتسهيل أداء الحج على المسلمين القادمين من كل فج عميق، ولضمان سلامتهم وراحتهم أثناء تأدية حجهم وعمرتهم وزيارتهم لمسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم". اجتثاث الفساد مهمة وطنية جليلة للحفاظ على المال العام وأضاف خادم الحرمين الشريفين في كلمته: "حينما أصابت العالم جائحة كورونا المستجد حرصنا على إقامة الركن الخامس من أركان الإسلام في ظل هذا الظرف الاستثنائي، ودفعنا إلى عمل المزيد من احتياطات السلامة الوقائية، لمنع تفشي الوباء وحماية الحجاج والمواطنين من انتشاره، والمساهمة في الجهود العالمية لمحاصرة هذا الداء، فاقتصر الحج العام الماضي على عدد محدود جداً من مواطنين ومقيمين، بعد الاطمئنان على تطبيق أعلى إجراءات الأمان وتدابير السلامة لضمان سلامة ضيوف الرحمن من آثار هذه الجائحة وتبعاتها، بل إن تلك الجهود أتت امتداداً للتصدي المبكر المبذول من الدولة في محاصرة الوباء والحد من آثاره منذ تفشيه حول العالم، كما جاءت ترجمة لحرصها المعهود على سلامة الإنسان على ثرى هذه الأرض المباركة، ولقد تمكنت أجهزة الدولة بفضل الله بإجراءاتها الاستباقية والاحترازية العالية من تقليل الأثر الاقتصادي والصحي على المواطنين والمقيمين على أرض المملكة، ومحاصرة الداء في أضيق حدوده الممكنة، وهو ما ساهم في تدني مستويات العدوى والانتشار، وانخفاض أعداد الحالات الحرجة". دول المنطقة تواجه محاولات قوى إقليمية لفرض نفوذها وأيديولوجيتها المتطرفة وكرر المليك المفدى شكره للمواطنين وللمقيمين على أرض المملكة العربية السعودية، على تفهمهم وتعاونهم في اتباع التعليمات وتنفيذ الإجراءات، كما شكر أجهزة الدولة كافة، واللجان المشكلة وفرق العمل المنبثقة منها، على ما تبذله جميعها في سبيل مكافحة هذه الجائحة العالمية، وقال -أيَّده الله -: "أشكر أيضاً من هذا المقام أبنائي الجنود البواسل في الحد الجنوبي وأدعو لهم بالثبات، ولشهدائنا الذي أختارهم الله إلى جواره بالرحمة والغفران، إنه سميع مجيب". ولفت خادم الحرمين الشريفين إلى أن تفشي فيروس كورونا المستجد وما تبعه من آثار اقتصادية ألحق بمفاصل الاقتصاد العالمي ضرراً بالغاً، فكان تجاوب الدولة سريعاً بمنظومة من المبادرات الحكومية لتخفيف آثار وتداعيات هذه الجائحة على الأنشطة الاقتصادية الداخلية والقطاع الخاص، فقد تم رصد أكثر من (218 مليار ريال، بهدف دعم القطاع الخاص وتمكينه من القيام بدوره في تعزيز النمو الاقتصادي، وذلك في إطار دعم جهود الدولة في مكافحة فيروس كورونا، وتخفيف آثاره المالية والاقتصادية المتوقعة على القطاع الخاص، خصوصاً على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، كما دعمت حكومتكم الجهود الدولية لاحتواء آثار هذه الجائحة من خلال دعمها المالي لمنظمة الصحة العالمية استجابة للنداء العاجل الذي أطلقته المنظمة لجميع دول العالم، إلى جانب تقديمها حزمة من المساعدات والمستلزمات الصحية لعدد من الدول، وقد دعم القطاع الصحي في المملكة بمبلغ قدره (47) مليار لمواجهة الآثار الصحية لهذه الجائحة. 86 مليار دولار قدمتها المملكة في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية واعتبر الملك سلمان ترؤس المملكة هذا العام لمجموعة العشرين -في ظل الظروف الاستثنائية- فرصة لقيادة الجهود العالمية لإصلاح منظومة الاقتصاد العالمي بما يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للمنطقة والعالم، وقال إن في ذلك دلالة على ريادتها ومكانتها في المجتمع الدولي والدور المحوري الذي تتولاه من خلال عملها التشاركي على مستوى العالم، كما أنه يمثل تأكيداً على متانة اقتصادها المؤثر في استقرار الاقتصاد العالمي، وأضاف: "وقد حرصنا من خلال ترؤسنا للمجموعة على مزيد من الإسهام في التخفيف من آثار جائحة كورونا، وهذا ما نتج عن القمة الاستثنائية الافتراضية التي دعونا إلى عقدها في السادس والعشرين من مارس المنصرم، لتنسيق جهود مواجهة وباء كورونا، في سبيل اكتشاف لقاح للقضاء عليه" وقال الملك سلمان: "ونتطلع بعقد قمة مجموعة العشرين برئاسة المملكة هذا الشهر إلى إيجاد الحلول للقضايا الملحة للقرن الحادي والعشرين، وتعزيز النمو والتنمية وصياغة مناهج جماعية بشأن القضايا التي تستوجب التعاون الدولي، وصنع مستقبل مزهر وواعد للمنطقة والعالم". وفي شأن استقرار أسعار البترول قال خادم الحرمين الشريفين: "إن المملكة حرصت منذ تأسيس منظمة أوبك على استقرار أسواق البترول العالمية، وليس أدل على هذا الأمر من دورها المحوري الذي قامت به في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة (أوبك بلس) وذلك نتيجة مبادرات المملكة لتسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها، كما عملت المملكة، ولا تزال تعمل لضمان استقرار إمدادات البترول للعالم، بما يخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء، على الرغم من الظروف الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم بسبب جائحة كورونا، وانعكاساتها على أسواق البترول العالمية". وأكد الملك سلمان على أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 هي خارطة طريق لمستقبل أفضل لكل من يعيش في هذا الوطن الطموح فقد أسهمت الرؤية خلال مرحلة البناء والتأسيس في تحقيق مجموعة من الإنجازات على عدة أصعدة، أبرزها تحسين الخدمات الحكومية، ورفع نسبة التملك في قطاع الإسكان، وتطوير قطاعات الترفيه والرياضة والسياحة واستقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع وسوق العمل، ونستعد حالياً لمرحلة دفع عجلة الإنجاز والتي تتسم بتمكين المواطن وإشراك القطاع الخاص بشكل أكبر وزيادة فاعلية التنفيذ. وأكد الملك المفدى على أن القضاء على الفساد واجتثاث جذوره مهمة وطنية جليلة في سبيل الحفاظ على المال العام وحماية المكتسبات الوطنية، ومنع التكسب غير المشروع الذي ينافي ما جاء به الشرع الحنيف، وإن الدولة ماضية في نهجها الواضح بمكافحة الفساد والقضاء عليه، والإعلان عن كل قضايا الفساد وما تتوصل إليه التحقيقات بكل شفافية وقال: "إن المكانة المرموقة التي تحظى بها بلادكم بين دول العالم مصدر فخر لنا جميعاً قيادةً وشعباً، فقد حصلت المملكة على مراتب متقدمة في المؤشرات والتقارير الدولية التي تعنى بالتنافسية، حيث صنفت المملكة بالدولة الأكثر تقدماً وإصلاحاً من بين (190) دولة في تقرير (ممارسة الأعمال 2020) الصادر عن مجموعة البنك الدولي، إذ حققت المملكة المرتبة (22) متقدمة بمقدار (30) مرتبة عن العام الماضي، كما حصلت المملكة على المرتبة الأولى خليجياً والثانية عربياً من بين (190) دولة في تقرير (المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2020) الصادر عن مجموعة البنك الدولي، كما حققت قفزة نوعية في ترتيبها بمقدار (15) مرتبة خلال السنتين الماضيتين، في تقرير (الكتاب السنوي للقدرة التنافسية العالمية 2020) الصادر عن مركز التنافسية التابع لمعهد التطوير الإداري، متقدمة إلى المرتبة (24). كما حققت المملكة تقدماً كبيراً في التنافسية الرقمية خلال السنوات الثلاث الماضية، ويأتي ذلك ضمن سياسيات الدعم والتمكين من الحكومة لقطاع الاتصالات وتقنية المعلومات على مدى السنوات الماضية، ويعكس القفزات النوعية التي حققتها المملكة على مستوى البنية الرقمية، وتنمية القدرات الرقمية، والمشاريع الرقمية الضخمة، إضافة إلى نضج التنظيمات والتشريعات الرقمية المستمدة من رؤية المملكة". وأشار خادم الحرمين في كلمته إلى سعي بعض دول المنطقة إلى فرض نفوذها السياسي وأيديولوجيتها المتطرفة وقال: "تواجه دول منطقتنا محاولات عديدة من قوى إقليمية، تسعى لفرض نفوذها السياسي، وأيديولوجيتها المتطرفة، خدمة لمصالحها الخاصة، غير عابئة بأعراف دولية أو مراعية لحقوق الجوار، وهذا النهج العدواني المتعنت مسؤول عما آلت إليه الأوضاع في بعض دول منطقتنا، كما هو مسؤول كذلك عما خلفه من مآس في تلك الدول يندى لها جبين الإنسانية وإن المملكة لتؤكد على خطورة مشروع النظام الإيراني الإقليمي، وتدخله في الدول ودعمه للإرهاب والتطرف وتأجيج نيران الطائفية، من خلال أذرعه المختلفة، وتنادي بضرورة اتخاذ موقف حازم من قبل المجتمع الدولي تجاهه، يضمن معالجة جذرية لسعي النظام الإيراني للحصول على أسلحة الدمار الشامل وتطوير برنامجه الصواريخ الباليستية وتدخلاته في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورعايته للإرهاب وتهديده للسلم والأمن الدوليين". وأضاف: "وتدين المملكة ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، بانتهاكها القوانين الدولية والقواعد العرفية بإطلاق طائرات مفخخة من دون طيار، وصواريخ باليستية باتجاه المدنيين في المملكة، بطريقة متعمدة وممنهجة" وقال "نؤكد في المملكة على دعم الشعب اليمني الشقيق حتى يستعيد اليمن من خلال سلطته الشرعية كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية، وسنستمر في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، كما سنواصل الدعم للجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة اليمنية التي يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن، وفقاً للمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار اليمني الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216". وجدد خادم الحرمين الشريفين التأكيد على استمرار وقوف المملكة إلى جانب الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، كما أننا نساند الجهود الرامية لإحلال السلام في الشرق الأوسط بالتفاوض بين الإخوة والأخوات الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، للوصول إلى اتفاق عادل ودائم. إن المملكة العربية السعودية تقف مع العراق وشعبه الشقيق، وتساند جهود حكومته لتجنيب العراق مآسي الاقتتال والإرهاب، مولية اهتمامها العميق بأن يحيا أبناؤه حياة كريمة من خلال وقوفها إلى جانبه، في سبيل استقراره وحفاظه على مكانته في محيطه العربي، وتعزيز أواصر الأخوة والعلاقات الاستراتيجية بما يليق بالعلاقات الثنائية وبالتاريخ الذي يجمعهما وبالمصير المشترك فيما بينهما، والتعاون في مختلف المجالات من خلال مجلس التنسيق السعودي العراقي مؤكدين على ما نتج عن الدورة الرابعة للمجلس، ومنها خطة العمل المشتركة المتضمنة المشاريع الاستثمارية بين البلدين، وسعيهما إلى ما يخدم تطلعات حكومتي وشعبي البلدين الشقيقين. وفي الشأن السوري قال الملك سلمان إن المملكة تؤيد الحل السلمي في سوريا وفقاً لقرار مجلس الأمن (2245) ومسار جنيف (1) ، وتؤكد دعمها لكل الجهود التي تبذلها الأممالمتحدة ومبعوثها الخاص لدى سوريا، وخروج الميليشيات والمرتزقة منها والحفاظ على وحدة التراب السوري، وأشار إلى متابعة تطورات الأوضاع في ليبيا باهتمام، وقال "إن المملكة تجدد ترحيبها بتوقيع اللجان العسكرية الليبية المشتركة الاتفاق الدائم على وقف إطلاق النار برعاية الأممالمتحدة، متطلعين إلى أن يمهد الاتفاق الطريق لإنجاح التفاهمات الخاصة بالمسارين السياسي الاقتصادي، بما يسهم في تدشين عهد جديد يحقق الأمن والسلام والسيادة والاستقرار ليبيا وشعبها الشقيق، داعين إلى وقف التدخل الخارجي في الشأن الليبي، كما أن المملكة العربية السعودية بصفتها رئيساً لمجموعة أصدقاء السودان تؤكد على أهمية دعم السودان في الوقت الحالي، وتؤكد على الدعم السياسي الكامل المحادثات جوبا للسلام في سبيل إنجاح المرحلة الانتقالية مشددة على أهمية الوصول إلى سلام شامل يضمن أمن وسلامة المنطقة والمجتمع الدولي". وأكد خادم الحرمين الشريفين على أن المملكة تحرص دائماً على التفاعل البناء مع المجتمع الدولي بالتزامها بميثاق الأممالمتحدة، والمعاهدات والاتفاقات الدولية المنضمة إليها، وانطلاقاً من هذه المبادئ فإن المملكة تؤكد على عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه من يتبنى سياسية التدخل في الشؤون الداخلية للغير، كما أنها تشجب جميع أشكال العنف والوسائل المخلة بالأمن والسلم الدوليين، وترفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية، وتنبذ الإرهاب والفكر المتطرف وتحارب تمويله، وتدعم الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره، بما فيها دعمها المالي لمركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب بمبلغ (110) ملايين دولار، وإنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف اعتدال، كما استضافت المركز الدولي لاستهداف تمويل الإرهاب، وفي مجال المساعدات الإنسانية والتنموية قدمت المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية أكثر من 86 مليار دولار من المساعدات الإنسانية، استفادت منها (81) دولة. وختم الملك كلمته بقوله: "إننا من مقر مجلسكم المبارك نؤكد على أهمية دوركم الفعال في تعزيز شموخ هذا الوطن العزيز الذي غرس جذوره وأرسى ركائزه جلالة المؤسس -يرحمه الله-، وواصل البناء والتمكين من بعده أبناؤه ملوك هذه البلاد المباركة، لتكون بوصله التقدم، ومنارة الحضارة، وموطن العدل، وإشعاع السلام للعالم قاطبة". رئيس مجلس الشوري والأعضاء يؤدون القسم أمام خادم الحرمين