شهد العام 2020 الكثير من الأحداث في سجل تاريخ الحياة على كوكب الأرض وذلك لأسباب عديدة؛ فقد أثر فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) علينا جميعًا، بطريقة أو بأخرى. وكان له دور في تسريع ظهور الأمور التي كانت كامنة تحت سطح الوضع الراهن لحياتنا بغض النظر عن المكان الذي نعيش فيه أو طريقة عيشنا. وإذ تتكشف الأمور وتبرز إلى السطح، يلوح في الأفق سؤال مُلح: في ظل التغيرات التي يشهدها عالمنا، هل تتغير قيمنا أيضًا؟ ووضعت ديمة آل الشيخ، رئيسة مجموعة القيم العشرين الجديدة (V20) تقييمًا إلى ما كشفه فيروس كوفيد- 19 من شروخ في المجتمعات وتناقضات في قيمنا، وتتطرقت إلى أعمال مجموعة القيم العشرين هذا العام وما بعده الرامية إلى تمكين القيم وغرسها في صميم عملية صنع السياسات في ظل سعي العالم بأسره إلى التصدي للتحديات الجماعية التي يواجهها. وبينت أن الركود الاقتصادي المزلزل، والاحتجاجات العالمية من أجل المساواة بين الأعراق والعدالة، وما نشهده من درجات الحرارة المناخية الأكثر تطرفًا، والواقع الافتراضي الجديد المتمثل في أبسط صوره بالعمل من المنزل؛ ما هي إلا بعض القواعد الجديدة التي كان علينا أن نعتاد عليها ونتكيّف معها في غضون تسعة أشهر لا أكثر، ولعلّ الأثر الكلي لكل ذلك تمثّل في دفعنا إلى إعادة التفكير بشكل جذري في الطريقة التي نعيش بها والطريقة التي نفعل بها الأشياء، وفي أولوياتنا أيضًا؛ ويؤدي هذا في نهاية المطاف إلى تغيّر في قيمنا. العام 2020 مرآة واستطردت: "لو افترضنا أن العام 2020 مرآة، سنجد أن القوى التي تؤثر فيه قد أحدثت في سطح هذه المرآة تشققات وخدوشًا وكسورًا. والآن، إذ ننظر إلى مرآة العام 2020، نرى انعكاسًا ملتبسًا ومتغيرًا يحدّق إلينا، وعندما يتغير شيء أساسي مثل من نكون وما نستطيع القيام به، فمن الطبيعي أن تكون مخرجات القيم التي نسعى إلى تحقيقها انعكاسًا لزماننا، لذلك، لا بد من أن نقول هذا بصراحة ووضوح: لم يتسبب فيروس كورونا المستجد بذلك لنا؛ فهو وببساطة كشف النقاب عن أمور كانت كامنة من قبل، وهذا ليس بشيء غريب في تاريخ الأوبئة، فالأمر الفريد يتمثل بأنه كان علامة فارقة أرّخت بزوغ فجر عالم جديد تآلفت فيه التكنولوجيا والإنسانية معًا، حتى أصبحتا أكثر انسجامًا وتكاملًا من أي وقت مضى، وربما كان الكابوس الحقيقي بالنسبة لكوفيد- 19 في أنه رفض الرحيل والانتهاء، ومع ذلك، لا بد وأن يأتي وقت مناسب يرضخ فيه ويصبح تحت السيطرة عندما يصبح اللقاح المعتمد علميًا متاحًا على نطاق واسع. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن "عدم رحيله وانتهائه" كشف النقاب عن عورات نظام غير مستدام إلى حد كبير ومجموعة من أنماط الحياة التي بتنا معتادين عليها أكثر مما ينبغي، كما أظهر أوجه القصور لدينا؛ سواء بوصفنا مجتمعًا دوليًا أو كأفراد أصبحوا يعتمدون على العديد من القطع المترابطة فيما بينها في أحجية عالمية لصورة مقطعة. وأضافت: "اضطررنا إلى إعادة النظر في أنفسنا وحياتنا وأنظمتنا والتمحيص فيها على مستوى أعمق، عندما ننظر إلى الأمور باهتمام أكبر ونقضي وقتًا أطول في تحليلها بعمق أكبر، نتمكن من النظر إلى ما وراء ما كنا نعتقد أننا نريده والأشياء التي نعتقد أننا نريد تحقيقها، ونتمكن كذلك من النظر إلى ما يكمن تحت القشور والأمور السطحية ونفهم أساسيات المعتقدات والافتراضات والسلوكات التي تلوّن حياتنا وتؤثر فيها، وما أن نصل إلى نهاية هذا الغوص التمحيصي، سنتمكن من رؤية القيم الأساسية التي أصبحت راسخة في أذهاننا بشكل جماعي وفردي بوضوح أكبر". ونوهت إلى أنه وأثناء إجراء مجموعة القيم العشرين (V20) أبحاثها بشأن "القيمة في قيمنا"، كان من اللافت للنظر أن العام 2020 قد كشف عن صراع عميق وغير مفصح عنه بين مخرجات قيمتين نتفق جميعًا على أنهما مرغوب فيهما على الصعيد العالمي، ولنأخذ على سبيل المثال الصراع الذي أطلق عليه أحد الخبراء الاقتصاديين اسم "المقايضة" ليصف الصراع بين الحفاظ على الأرواح وسبل كسب العيش، لا يملك لأي أحد أن يجادل بأهمية الازدهار الاقتصادي والصحة العامة كمخرجات قيم مرغوب فيهما على كافة المقاييس، ومع ذلك، نجد أن العام 2020 قد وضعهما في مسار تصادم حتمي، ومن غير الواضح إذا ما كان أي منهما سيخرج منه معافىً، في حين لا يمكن أن نملك أحدهما دون أن نُلحق الضرر بالآخر، وبالطبع، لا يمكننا أن نقبل بهذا كحل، وهنا يكمن الدافع الأساسي وراء تشكيل مجموعة القيم العشرين (V20)؛ فنحن نثق بإمكانات البشرية، ونعتقد أننا كبشر قادرون على القيام بالأمور على نحو أفضل إذا ما وجدنا طريقة لتسخير ابتكاراتنا وبراعتنا وإبداعنا للتوصل إلى حلول لمشاكلنا بحيث لا تفضل مخرجات قيمة واحدة على حساب الأخرى. وتساءلت آل الشيخ، كيف نقوم بذلك؟ موضحة أنه يجب أولًا أن نناقش ونتوصل إلى فهم أفضل للأسباب التي جعلت هذه القيم، في جملة أمور أخرى، تخوض صراعًا معًا الآن، ولماذا كانت موجودة في المقام الأول، وفيما إذا كنا بحاجة إلى التركيز عليها بهذا الشكل في المستقبل، وكيف يمكننا أن نحل الصراعات في الأنظمة التي أصبح نمونا وإنتاجيتنا يعتمدان عليها، وهل هناك ما يدعو إلى القول إن السعي نحو تحقيق الازدهار الاقتصادي على حساب جميع الأشياء الأخرى، بما في ذلك تحقيق مخرجات قيمة أكثر تمحورًا حول الإنسان، ليس من بين مخرجات القيمة التي ينبغي أن نسعى إلى تحقيقها حالما تتاح لنا فرصة إعادة تنشيط وتجديد الطريقة التي ننتج بها السلع ونصنعها ونصدّرها؟ أم هل ينبغي لنا أن نركز على رأس المال البشري في قلب النمو الاقتصادي العالمي؟ وما مخرجات القيمة التي تعد جزءًا أصيلًا في تحقيق ذلك على أرض الواقع؟ وكانت هذه بعض الأسئلة التي تطرحها مجموعة تواصل القيم العشرين غير الرسمية وتناقشها وتجري أبحاث حولها وتصوغها في توصيات السياسات التي نأمل أن تصل إلى قيادة مجموعة العشرين، ويكمن الهدف من ذلك في تكريس نوع جديد من التفكير في صميم عملية صنع القرار في السنوات المقبلة؛ طريقة تفكير تسعى إلى تعزيز وإعلاء شأن الإنسانية المشتركة التي تنطوي على اتحادنا معًا في أوقات الأزمات، وربما لم يسبق وأن كان فعل ذلك أكثر أهمية منه الآن.